الدوغمائية الكريبكائية - من مخاطر تشبثك برأيك

Ahmad AL SAATI
Mercredi 24 février 2021
Organisateurs


هل سبق لك أن عرفت شخصًا اعتبرته فطنًا وذكيًّا، ولكنكما اختلفتما اختلافًا حادًّا  جول مسألة معينة، وكان كل منكما متأكد أن ما يقوله هو حتمًا الأصدق؟ في حال حدوث ذلك ، فلربما وقعتما في قطبية الآراء وقد يجدر بكما إعادة حساباتكما؛ أحدكما أو كلاكما خرج عن العقل ودخل في الدوغمائيّة التي تشكل بحسب  الفيلسوف الأمريكي سول كريبكي مخاطر متعددة. فما هي هذه الدوغما وما مخاطرها؟

أولًا، يجدر بنا تفسير مصطلح الدوغمائيّة. تأتي كلمة دوغما من اليونانية، δόγμα, وتعني ما يعتقده المرء حقيقة، وقد بدأ استخدام الدوغما في الكنيسة المسيحية بمعنى المعتقد الإيماني والمعتقد الفلسفي. ولكن الدوغمائيّة تخرج من الإطار الديني، إذ بدأ استخدامها بمعنى الاعتقاد القوي والتأكد منه، حيث لا يعود المعتقِد موضوع جدال عقلي ومنطقي. وبالرغم من أن اتخاذ المواقف ونكوين الآراء لا يحتاجان إلى برهان لإثباتهما، فالعقلانيّة تفرض علينا ألّا نتمسك بموقف كثرت الأدلة ضده.

سول كريبكي فيلسوف ومنطقي أمريكي له كتابات عديدة غلا أن أبرز ما قدّمه لنا لم يُكتب وإنما قيل في مؤتمرات وخلال محادثات. وكلامنا اليوم عن الدوغمائية الكريبكائية تحدّث صاحبنا عنه في مؤتمر في جامعة كامبردج عام 1972، ونقله زميله جلبرت هارمان في كتابه الأفكار. 

وهكذا شرح هارمان نظرية كريبكي: "(١) إذا كنت أعلم أن الفكرة ج حقيقة، (٢) فأنا أعلم أن هذا دليل ضد حقيقة مثبتة، (٣) فهو حتمًا باطل. (٤) لذلك، صرت أنكر وأرفض كل دليل ضد ج." وقد يتبع من هذا فكرة (٥) أن كل من يقول بدليل ضد ج خاطئ. 

والخطر هنا يتمثل على مستويين الأوّل في أننا نعتبر معرفتنا بموقف ما مثل ج معرفة ثابتة لا تحتاج إلى مساءلة أو إعادة نظر  مما يحوّل ثقتنا إلى عنادِ وإيمانِ تغيب عنهما العقلانية والاستعداد للتطور. 

أما الخطر الثاني فيتمثل في أن الدليل يجب أن يدعونا لاتخاذ موقف معيّن وبالتالي فإن رفضنا بأن نعتبر من دليل ظاهر أمام أعيننا يعتبر تصرفًا لاعقلانيًا تمامًا كالتمسك بموقف من دون وجود دليل يدعمه ومن دون السعي وراء النظر في حقيقته. .

بحسب علوم الإدراك وعلوم النفس، فإن الإنحياز المعرفي يدفعنا إلى أن  ننظر إلى العالم نظرة انتقائيّة، فنبالغ بأدلّة تدعم رأينا، ولا نعير اهتمامًا لما نراه أمامنا من أدلة مختلفة. وقد أظهرت اختبارات في علم النفس الاجتماعي أن مجموعتين من قطبين لهما آراء متناقضة في موضوع معين كعقوبة الإعدام مثلًا، متى قدم لها دراسات من رأيها ودراسات ضد رأيها امتدحت الدراسات المؤيدة لرأيها من حيث الاتساق والعقلانيّة ورفضت تلك التي تعارض رأيها ! وهذا نجده طبعًا في يومنا، حيث أن بعضنا يشاهد فقط القناة التي تنتمي إلى رأيه السياسي ويخطّئ كل قناة لا توافق معه وينتقي الأدلة التي تدعمه...

والحل لتجنب الدوغمائية الكريبكائية بسيط، هو أولًا أن نقتنع أن الحقيقة أهم من الفوز في الجدالات وثانيًا، الاعتراف بأننا لا نملك الحقيقة، وثالثًا، النظر في الموضوع بعيدًا عن الأنا والمشاعر. علينا معرفة أنفسنا والمبادئ الأولى التي بدأنا منها، واستعمال العقل متى استطعنا. وليس بالضرورة أن نبقى على الحياد في كل الأوقات، ولكن يكفي أن نكون جاهزين لتغيير رأينا.

ختامًا، فأنا أقول أن أقبح ما يمكنك فعله في حق رأيك أن تتشبث به وتأبى تحسينه، وأفضل ما يمكنك فعله في حق رأيك هو أن تفتحه على نقيضه، فيمشيان معًا في سبيل الحقيقة، وهذه الوجهة الأهم والأفضل...