الّنداء الاخير

BILLLET
Maryam SABRA
Dimanche 25 avril 2021
Organisateurs


عبرت هاجر  النفق الذي يصل بين المطار ومدخل الطائرة بخطى هادئة، ثم توقفت فجأة وتراجعت خطوة إلى الوراء وألقت نظرة أخيرة على قاعة الانتظار. في لحظات مصيرية كهذه, يعتري المرء شعورًا بالاختناق. كانت وحدها, لا أب ولا أم و لا حبيب يرافقها.  ابتسمت الصبية بشكل غريب واستمرت بالسير. كانت عاجزة عن التراجع. ربّما أصعب ما في الحياة أن يشعر المرء بالعجز عن التّغيير بالرّغم من محاولاته المتكرّرة بشتّىى الطّرق. 

كان هاتفها مغلق عمدا. لم تكن تريد أن تنشر صورا على مواقع التواصل الاجتماعي لكسب الاستعطاف من هنا وهناك. الألم لا يشعر به سوى المرء, ولأن الألم له قدسية خاصة, لا بد أن يرسّخ بطريقة ترفع من شأن صاحبه. 

جلست بجانب النافذة على المقعد الذي يقع في الجناح الأيسر على متن الطائرة المتجهة إلى  لندن. كان الطقس دافئًا نسبيًا والشمس ذهبية. ألقت النظرة الأخيرة من نافذة الطائرة على بيروت و شردت قليلًا. اعتراها احساس غريب مجددًا. كانت تلتصق ظهرها بالمقعد كأنها تريد أن تخفف من حملا ثقيلا.أخذت قلمها ودفترها ودوّنت:

الوضع مأزّم يا صبي
ونحنا والبؤس دراويش
ولبناني ما فيش


ميرة زهقانة
منيرة قرفانة
وسميرة تعبانة

قطّة رايحة
قطّة جاية
والشارع فاضي

الوضع مأزّم يا صبي
ونحنا والبؤس دراويش
ودولار كمان ما فيش

 

ألقت هاجر النظرة الأخيرة من نافذة الطائرة على وطنها التي ترعرعت فيها منذ طفولتها.  استرجعت سريعا ذكرياتها ودوّنت بحرقة قبل أنت تغادر بيروت:


لو بخيروني"
المشكلة مش رح يخيروني
بقلّن ردّولي إيّام الغمّيضة و اللّقيطة
القازوزة و النّمورة
قطف الملوخيّة
ريحة أول شتوية
التّرويقة مع ستّي و جدّي
كل همّي إركض بالدّار
إكتب وإرسم
و فزّ و نطّ عالحيطان

لو بخيروني، بس مش رح يخروني
بقلّن ردّولي ودكّانة جدّي
والدّبكة والبونجيسة
بس راح جدّي، راحت معو ستّي
وتسكّرت دكّانة جدّي 

وحفيدك هاجر يا ستّي"

 

الى هنا, أنتهي  من كتابة مشهد "النداء الأخير" – عن انسان قد يكون أنا أو أنت مع الأسف - تاركة للقرّاء تخيّل ما يتبع من أحداث. من نافذة غرفة نومي، حدقت في الثلج  يتناثر من حولي وتنهدت بخفة. هذا الصمت بعيد المنال تارة يطمئن و تارة يخيف. ثم جلست على مكتبي حيث كانت الريشة تطفو في تكتّم.  أشعلت سيجارة على أنغام السيدة فيروز : 

"صدقني لو بقدر أتحمل عذاب

عذاب الأشياء كلا ما كنت فليت

و لا كنت حرقتا حياتي و حرقتك

إذا رجعت بجن و إن تركتك بشقى

لا قدرانة فل و لا قدرانة أبقى"