دكّاش يحتفل بقداس عيد العمّال في مستشفى أوتيل ديو

الجمعة 7 أيّار 2021
Hôtel Dieu de France
Organisateurs


رئيس جامعة القدّيس يوسف ورئيس مجلس إدارة مستشفى أوتيل ديو دو فرانس البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ احتفل بالذبيحة الإلهيّة لمناسبة عيد العمّال واليوم العالميّ للقابلات والممرّضين والممرّضات، ورفع الأب دكّاش  والمشاركون في القداس الصلوات على نيّة جميع العاملين والطّاقم التّمريضيّ وجهودهم في الصّفوف الأماميّة ومثابرتهم في مواجهة فيروس كورونا، وذلك يوم غد الجمعة في 7 أيّار عند العاشرة صباحًا، ونُقل مباشرة عبر تيلي لوميار/ نورسات وعلى شاشات غرف المرضى داخل المستشفى نظرًا للظروف الاستثنائيّة.

 وألقى دكّاش عظةً تحدّث فيها عن التحديّات التي تواجهها عائلة "أوتيل ديو" من أطباء وممرضين وموظفين، كما توقف على معنى العيد لا سيّما مع مثال مار يوسف العامل، ومعنى الانتماء بالنسبة إلى المؤمن المسيحيّ، والانتماء إلى الوطن اللبنانيّ، وأيضًا معنى الانتماء إلى أسرة "أوتيل ديو"، وجاء في كلمته:

أيُّها الأحباء الأعزّاء،

ماذا يعني "أنا الكرمة وأنتم الأغصان؟"

ها نحن في خضمّ الأعيادِ والظُّروفِ الصَّعبَةِ الّتي نَمُرُّ بِها، عيد مار يوسف العامل، وعيد العمّال، وعيد سيّدة لبنان الّذي احتَفَلنا بِهِ الأحَدَ الفائت وَبداية الشَّهر المَريَمي، شهر تكريم مريم العذراء سيّدة لبنان، التي لديها مودّة من كلّ اللبنانيّين. فما إن تسمع اسم مريم حتّى تدبّ روح الأخوّة والقرابة بين المؤمنين وفي قلوبـهم، لأنّ لمريم العذارء مكانة خاصّة في تاريخ الخلاص. وَفي هَذا الشّهرِ أيضًا يَعيشُ إخوتنا المُسلمون شهر الصّوم، شهر رمضان الكريم. في هَذِهِ الأجواء، فَضلاً عَنِ الصُّعوباتِ الَّتي نَعيشُها، أكانَتْ على الصَّعيد السّياسيّ أو الإجتماعيّ أو الاقتصاديّ، تُلقى عَلَيْنا كَلِمَة الرَّب : "أنا الكَرمَة الحقّ وأنتُم الأغصان". فَماذا يَعني هَذا الكلامُ اليَوم لِكُلٍّ منّا ؟ سواء أكانَ بِمَوقِع طَبيب، أو مُمَرِّض، أو مُمَرّضَة أو إداريّ مَسؤول، فَجَميعُهُم مَسؤولون عَن حَياةِ هَذِا المُستَشفى ورسالته في خدمة المريض، بحكم انتمائهم وانتمائنا إلى رسالة مؤسّسة تاريخيّة لها قِيَمها وأهدافـها.

أَستَخرِجُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَة وَمِنَ الإنجيل الَّذي سَمِعناه بعضَ الأمثِلَة في الانتماء مِنها :

معنى الانتماء بالنسبة إلى المؤمن المسيحيّ !

على المُستوى الأوَّل ، "أنا الكَرمَة الحقّ وأنتُم الأغصان". أَطرَحُ على نَفسي السّؤالَ التّالي، لماذا شدّد الإنجيليّ يوحنّا على صفة "الحقّ" للكرمة. الجواب أنّه وسط الصعوبات والشدائد يزداد عدد المسحاء الكذبة والدجّالين، ولذلك يُعلن يسوع عن نفسه أنّه الكرمة الحقّ، التي تُعطي أجود الشراب من دون حدود، إشارة إلى المحبّة التي أحبّنا بـها وأوْدَت بـه إلى الموت على الصليب. وبالتالي، نحن اليوم، إلى ماذا وإلى مَنْ ننتمي ؟ ما هُوَ شُعوري بالانتماء اليَوم ؟ خاصَّةً في ظلِّ هَذِهِ الظُّروفِ الصَّعبَةِ الَّتي نَعيشُها ؟ أَنتَمي إلى شَخصٍ اسمُهُ يسوع المسيح، الذي هو الطريق والحياة. يسوع هو الَّذي يقول : هو الكَرمَة  الحقّ وَأنا غُصْنٌ مِنَ الأغصانِ الكَثيرَةِ المُتَعَلِّقَة به. أنا أنتمي إلى مَنْ بَذَلَ نَفسَهُ مِنْ أجلِ رَعِيَّته وَأصدقائه حتّى المَوت، المَوت على الصَّليب. هَذا هُوَ انتمائي الأوَّل الّذي يولّد لديَّ إيمانًا كبيرًا وثقة وَليسَ انتماءً بدون ثِقَةٍ وإيمان. فالشُّعورُ بالانتماء يُولَدُ مِنْ هَذِهِ الثّقَة وَمِنْ هَذا الإيمانِ الكَبير، وَيَتأسَّسُ الإيمانُ على نموذجٍ مُعَيَّن. وَنَموذَجي هُوَ يسوع المسيح، المُحِبّ والحَبيب والإفخارستيا الَذي يُعطي نَفسَهُ  فيها كُلَّ يَومٍ مِنْ حَياتِهِ وما بَعدَ حَياتِهِ وَبَعدَ قِيامَتِهِ لأصدقائه، نحتفل بـها اليوم وهي تجمعنا وتعطينا ذات خبز المحبّة والمقاسمة.

معنى الانتماء إلى الوطن اللبنانيّ !

على المُستوى الثّاني، الانتماءُ إلى الوطَن اللُّبنانيّ. فالوطَنُ اللُّبنانيّ اليَوم بِحاجَة إلى هَذا الشُّعور: أنَّنا للوطَنِ ونَنتَمي إليه. أنا لا أنتمي إلى فئة ضدّ فئة أُخرى ! أنا لا أتخلّى عن خصوصيّتي بل أحاول أن أربطها بالخصوصيّات الأخرى بروح المسؤوليّة الوطنيّة. والوَطَنُ لَيسَ بِقَدَرِ ما يُعطيك، بَل الوطَنُ الحَقيقي هُوَ بِقَدرِ ما تُعطيه وَها نَحنُ نَنسى أحيانًا هَذِهِ المُعادَلَة. لَرُبَّما حانَ الوَقتُ اليَوم لِنَفحَصَ ضَميرَنا وَنَرى أينَ أصبَحَتْ عَلاقَتُنا مَعَ الوَطَنِ وَانتماؤنا إليه أمامَ الإيديولوجيّات المُقفلة على ذاتـها وأمام خطورتها والإشاعات عَنْ لبنان وَمَصيرِه، نَعودُ إلى أساسيّات العنصر الأساسيّ في هويّتنا الذي هو هذا الانتماء إلى الوطن اللبنانيّ بما يعنيه من مساحة حياة مشتركة بالحوار والمحبّة والعدالة. نَحنُ لُبنانيّون نَنتَمي إلى هذا الوطَنِ ونؤمن بِهِ ونَصنَعُ هُنا  تاريخَنا ونكتُبُهُ تَمامًا كما صَنَعَهُ أباؤنا وأجدادُنا. فلا تاريخَ لنا على الصعيد الشخصيّ أو الجماعيّ إنْ لَمْ يَكُن تاريخَ مَحَبَّة وَحُب وَعَطاء وَرُسوخ في هَذِهِ الأرض لِنُعطيها وَتُعطينا بِدَورِها. بالتّأكيد يوجَدُ جدليّة بَيْنَ الإثنين فعندما تنادي أنّ لنا حقوقًا على الوطن، لا ننسى أنّه لنا واجبات حياله ولكن هذا مفهوم وقاعدة يسير عليها الجميع في الوطن. لَكِنْ يَجِب ألّا نَنْسى أنَّهُ يَنبَغي عَلَيْنا أنْ نُضَحّي وَنُعطي لِنَخرُجَ مِنْ هَذِهِ الأزمَة الَّتي نَعيشُها بِكُلِّ ثقة وقوّة وزخم وإيمان.

معنى الانتماء إلى أسرة "أوتيل ديو"

على المستوى الثّالث مِنَ الشُّعورِ بالانتماء : أنتُم الأغصان في هذه المؤسَّسَة الجامعة اليسوعيّة ومستشفى "أوتيل ديو" وَهِيَ الكَرمَة. هي مَشروع، ورِسالَة وعَطاء وَلَيْسَتْ بِمشروعٍ تِجاريّ كَباقي المشاريع نعيش منه كرماء ولكن لا نجني منه الأرباح نوزّعها على المساهمين. لِذَلِكَ يُمكِن أنْ نَعيشَ نَوعًا مِنَ الضَّغطِ بَيْنَ القَسَم القائم على الأخلاق والمبادئ ورسالتنا وقِيَمنا وبين أن تكون المؤسّسة مرتاحة إقتصاديًّا. وقيمنا تقول إننّا نُضَحّي أمامَ المَريضِ بِكُلِّ شيء: بكفاءَتِنا ومَهارَتِنا وَمالِنا أيضًا وفي الوقتِ نَفسِهِ نَعلَمُ أنَّ هَذِهِ المؤسَّسَة فيها آلاف العاملين، وآلاف العائلات. إذا أرَدْتُ النَّظَرَ إلى مستشفى "أوتيل ديو" اليوم كَجزءٍ مِنْ مَجموعَة، مَجموعة الجامعة اليسوعيَّة، أَجِدُ أكثَرَ مِنْ خَمسة آلاف عائلة تعيش بفضل هَذِهِ المؤسَّسَة ممّا يَتَطَلَّبُ مِنّا وَعيًا : وَعيًا على الصَّعيد الإداريّ والماليّ والعَمَل اليوميّ. كُلٌّ مِنّا مَسؤولٌ عَنْ عَمَلِه. فالتَّراخي مَمنوع والأنانية غير مستحبّة والإهمال خارج قاموسنا خاصَّةً في هَذِهِ الظُّروف. وَالمَقصودُ بالشُّعورِ بالانتماءِ هُوَ  التَّضحيَة  والوَعي والعطاء لا الكَسَل. فالكَسَلُ لا يؤدّي إلى نَتيجَةٍ بَلْ على العَكس يُدَمِّرُنا ويهدُمنا.

التهاني بعيد العمل والعمّال !

وَنَحنُ اليَومَ بِحاجةٍ أكثَرَ مِنْ أيِّ وَقتٍ مَضى إلى التَّضامُنِ لِيَكونَ الانتماءُ مُستَقيمًا والإيمان أيضًا. في عيد العمّال أطلُبُ بَرَكَةَ مار يوسف الَّذي نَعرِفُ أنّهُ يَحمي العائلة وبالتالي هو حامي أسرتنا كلّها. ومنذ أكثر من ١٤٠-١٥٠ سنة أرادَتِ الكَنيسَةُ أن يكون مار يوسف شفيع العائلة وَنحن عائلةٌ كبيرةٌ بحاجَةٍ اليَوم إلى أنْ نَشعُرَ بأنَّ القدّيس الصّامت هُوَ فاعِل وعامَل بَيْنَنا، يَحمي عائلتَنا كَما حَمى العائلةَ المُقدَّسَة. وأطلُبُ أيضًا مِنْ مريم العذراء، سيّدة لُبنان، أن تحمي لُبنان وَتحمينا جميعًا، أنْ تَحمي كُل فرد من عمّالنا وموظّفينا وجسمنا الطبيّ والتمريضيّ، وَتَحمي شُعورَنا بالانتماءِ إلى هَذا الوَطَنِ وإلى َهَذِهِ المؤسَّسَة لِنُقَدِّرَ القِيَمَ والأهدافَ الّتي تَجمَعُنا حَقَّ التَّقدير ونعمل بموجبـها بأمانة وإخلاص. والهَدَفُ هُوَ صحَّةُ المَريض وأنْ تَكونَ هَذِهِ رسالَة ناجحَة سواء أكانَ في مَجال التَّربية أو الاستشفاء والعناية والطُّبّ. في الانتماء الصحيح هنالك نموّ خصوصًا في الخدمة وفي القِيَم والأخلاق وكذلك في اكتساب مقوّمات الحياة الكريمة، خصوصًا في هذه الأيّام. والانتماء الذي لا ينمّي فينا هذه الرسالة، فليس هو بانتماء بل وسيلة لإشباع الأنا والانتماء الذاتي.

فلنكن أقوياء ببعضنا البعض وبوحدتنا !

اليومَ أطلُبُ مِنَ الرَّب أنْ يُعطينا ويوقظ فينا الضَّمير الدّاخلي لِنَكونَ أقوياءَ مَعَ بَعضِنا البَعض وَأقوياءَ عِندَما نَتَشارَكُ الأهدافَ نَفسها وَنَتوَصَّلَ  إلى نتيجة طيّبة. وَلِيحمنا الرّبُ ويَحمي بَلَدَنا مِنْ كُلِّ أذى لنقولَ إنَّنا، وفي كُلِّ يومٍ مِنْ حَياتِنا، نَسيرُ في النّور لا في الظّلامِ الدامس. يا مريم العذراء باركينا جميعًا لِنَكونَ شهودًا لابنكِ يسوع لِيُعطينا نعمَةَ الفَرَحِ والسَّلامِ الَّتي نَحتاجُ إليها كثيرًا اليوم وكُل يوم. هذا هُوَ هَدَفُنا وَهَدَف كُل إنسان أنْ يَعيشَ بالفَرَحِ والسَّلام الدّاخليّ والخارجيّ. ساعِدْنا يا رَب لِكَيْ نُحَقِّقَ رِسالَتَنا بأمانَة ومَحَبَّة وعدالة.

آمين.