Hommage de Dr. Antoine Frem Salameh au Cheikh Daneel Abdel Khalek

Lundi 1er juillet 2021

إلى "دَنيل" الغائب الحاضر

بقلم الدكتور انطوان افرام سلامه

    الآن كُلُّ شيءٍ يَميلُ إلى الحزن وقد هوى الفارس عن جوادِه بعد أن أعياهُ "الخبيث"، قاتلاً فيه زهرة الشباب ونسمة الحياة. الشيخ دنيل عبد الخالق خلع قميصه باكرًا ومضى في عبوره صوبَ الحقيقة، ليستكين في رحاب النور، بعد زمنٍ قصير الأيّام كثيف الأعمال قضاهُ على هذه الفانية.

    موجِعٌ رحيلك يا صديقي وقد جمعتنا المعرفة منذُ سنواتٍ في صروح جامعة القدّيس يوسف في بيروت حيث تدرّبنا على الحوار الديني وأصوله ومعانيه ومناهجه، وحيثُ بحثنا بإشراف نخبةٍ من الأساتذة في العلاقات الإسلاميّة - المسيحيّة وتاريخها وبياناتها وتحدّياتها وآفاقها. لن أنسى نشاطنا المشترك مع زملاءَ لنا في الهيئة الطالبيّة لكليّة العلوم الدينيّة ولمعهد الدّراسات الإسلاميّة والمسيحيّة فيها، ولن أنسى تلك الثقافة الحواريّة التي تجلّت بيننا نمطًا معيوشًا في الزّيارات المتبادلة وفي العلاقات الطيِّبَة وفي الاتصالات المتكرِّرة، كما قال الطوباوي الكردينال نيومن (John Henry Newman) بأنَّ المهمّة الأولى التي تقع على عاتق الجامعة هي تغيير العالم وذلك برفع مستوى المجتمع الفكريّ وبتربية الرأي العام وتطهير الحسّ الوطنيّ. (L’idée d’université, pp.177-178)

    منذ شهرين تقريبًا، في السّابع من أيّار، راسَلتُكَ مطمئنًّا، ليأتيني في اليوم التالي، الجواب المبهم والمقلق مكتوبًا: "يسعد صباحك. الحمدلله دومًا. للصراحة صديقي يبدو أنَّ الوضع صعب. الاتكال عالله"... ومن حينها كان الوداع الأخير، وانقطع التواصل بيننا، وفقدتُ رغبتي في الاستفسار والاطمئنان، ودخلتَ أنت في صراع الوجود متأرجحًا بين تلك اللعبة الخطرة، الموت أم الحياة، حتى حلّت المصيبة وعلت الصرخة، ومضيت بعيدًا تاركًا الزوجة والأولاد والوالدين والإخوة والأخوات في وجعٍ لفقدهم تاج العائلة، وتركتنا نحنُ الحيارى في ركاب المترقّبينَ لجنازةٍ لم تصل بعد.

    شيخنا...

    أمثالك لا يموتون، وإِنْ فَتكَ المرض بأجسادهم!

    أمثالك لا يُدفَنون، وإِنْ سُكِبَ التراب على أضرحتهم!

    أمثالُكَ لا يَغيبون، وإِن أمسوا ومضةً في الذّاكرة أو الوجدان!

    فأنتَ كنتَ وستبقى من "البقية الباقية" الذين أدركوا أنَّ الدين يتخطّى العقائد والعبادات والمؤسّسات، وهو سعيٌّ ذاتيٌّ لبلوغ النُّضج الانساني حيث يتصالح المرء مع ذاته ومع الآخر، ثُمَّ مع الله، فنزلت من "جَبَلِكَ" لتلتقي بالمختلف "الغريب"، وتترافقا سويًّا في الصّعود إلى تلك القمّة الشّاهقة حيث الرؤية الشّاملة و"المدينة الفاضلة". لكنَّ حجَّكَ لم يكتمل، فَعُدتَ إلى جبلكَ مكفّنًا بدموع الأساتذة والزّملاء والطلاّب وكلّ الذين عرفوكَ في جامعة القدّيس يوسف وفي حلقات الحوار وفي ساحات الوطن، وقد رأوا فيك المثل والمثال لرجل دينٍ خلوقٍ، صادق، متواضعٍ، مندفعٍ ومنفتحٍ، وصورةً مشرقةً عن لبنان "الرِّسالة" والحوار والعيش المشترك.

    نعم يا صديقي! كُنّا من المتوسّمين فيك عاقلاً تقيًّا يُتابع المسيرة التوحيديّة على منهاج الأمير السيِّد جمال الدين عبدالله التنّوخي وجمع المشايخ الثِّقات أهل العْرفان والصلاح والفضيلة؛ وكنّا من النّاظرينَ إليكَ أكاديميًّا رصينًا ووجهًا حواريًّا يُكَمِّلُ طريق الحوار والانفتاح التي شقّها في المذهب الدرزيّ القاضي عبّاس الحلبيّ أوّلاً ثُمَ الشّيخ سامي أبي المنى؛ لكنّكَ أبيت البقاء، فرحلت بصمتٍ صابرًا على الآلام، لتبقى مخلَّدًا في الذّاكرة تمامًا كما يقول فيرنان (Jean Paul Vernant) ، في دراسةٍ له حول "الميتة الجميلة والجثّة المهانة"، بأنَّ البطل مخلَّدٌ في المجال الملحمي وفي الذّاكرة، خصوصًا في ذلك النصب التذكاري الذي يتشكّل عند انتهاء الشعائر. (L’individu, la mort, l’amour…,p70)

    دَنيل،

    ستبقى بيننا ومعنا طالبًا ومعلِّمًا ومحاضرًا في أروقة كليّة العلوم الدينيّة وفي معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة، وستظلّ أمامنا شيخًا وقورًا متوّجًا بالعقل ومتوّشِحًا بالفضيلة ومتجلببًا بالحكمة، وسنذكرك كلّما مررنا في "مجدلبعنا" ونظرنا إلى شاهد قبرك حيثُ نقش الأحبّاء ما نقشوهُ يومًا على ضريح الشّيخ علي صعب في الكحلونيّة (1292هـ/1875م) بأنْ "هنا يقيم الكريم النفس والخلق وجوهر الدين...". (أبو مصلح، أضرحة العبّاد الموحّدين، ص 177).

    لك الخلود في جنان الحقّ، ولك منّا أصدق الأدعية بالرّحمة، نرفعها سلامًا لروحك وتعزيَةً للعائلة المفجوعة ولسماحة شيخ العقل والمجلس المذهبي، باسم جميع الذين عرفوك في جامعة القدّيس يوسف في بيروت وعلى رأسهم حضرة البروفسور الأب سليم دكّاش اليسوعيّ رئيس الجامعة، وحضرة الأب مارك تشاشلِك اليسوعيّ عميد كليّة العلوم الدينيّة، وحضرة البروفسور رولا تلحوق وجميع الأساتذة والطلاّب في معهد الدّراسات الإسلاميّة والمسيحيّة... فسبحان الحيّ الباقي.