من إدارة الأزمة الى الإدارة العامة: نحن الدولة

تقرير أعدّه طلاب جامعة القديس يوسف بالتعاون مع التفتيش المركزي في إطار مشروع الشباب للحوكمة
الإثنين 27 أيلول 2021

أطلقت كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، بالتعاون مع إدارة التفتيش المركزي وشركة Siren Associates تقريرًا ناتجًا عن بحث جامعيّ عن علاقة المواطن اللبناني بالإدارات العامة، أعدّه طلاّب وطالبات جامعيون وذلك ضمن إطار مشروع "الشباب للحوكمة Youth for Governance".     

حضر حفل الإطلاق وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي عساكر، وسفيرة كندا في لبنان  Chantal Chastenay، ونائب رئيس جامعة القدّيس يوسف البروفسور صلاح أبو جودة اليسوعيّ، ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، وعميدة كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة في جامعة القدّيس يوسف لينا غناجة ورئيسة قسم الأبحاث في شركة Siren Associates الدكتورة كارول الشرباتي، وممثلون عن منظمات دولية وأكاديميون وخبراء في الإدارة العامة، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني .

قدمت الحفل وملخص عن البرنامج وكيفية الاستفادة منه الطالبة حبيبة رجب، تلته كلمة لرئيس جامعة القدّيس يوسف البروفسور سليم دكاش اليسوعيّ، القاها بالنيابة عنه نائب رئيس الجامعة البروفسور صلاح أبو جودة اليسوعيّ، أشاد فيها بعمل الطلّاب والطالبات واللجنة التوجيهية في الجامعة التي واكبت وأشرفت على مختلف مراحل البرنامج والتقارير الصادرة عنه. وتوقف على التجربة الناجحة التي خاضها الطلاّب والطالبات مع التقارب الذي حصل بينهم وبين الإدارة العامة لخدمتها وتحسين أدائها، والذي أدى في نهاية الامر إلى تحقيق أسمى وأهم أهداف الجامعة ألا وهو خدمة الدولة. وأخيرًا دعا إلى ضرورة تعميم هذه التجربة فقال:" هذه التجربة التي لا ينبغي طمسها أو إخفاؤها، بل يجب نقلها إلى الجمهور اللبنانيّ حتّى يدرك شعبنا أنّ هناك شبابًا والكثير من الشباب الذين اختاروا البقاء هنا في بلدهم، وأنّهم لم يتردّدوا في التوجّه نحو الكيانات الإداريّة والتعرّف عليها من أجل المساهمة في تحسينها، لأنّ هذه الإدارة هي إدارتنا ولا يجب إخلاؤها أو تركها بين أيدي من استولوا عليها لمصالح خاصّة متنوّعة. لهذا، لا بدّ من التعريف بهذه التجربة، ونشرها من قِبَل وسائل الإعلام كعلامة أمل أنّ لبنان لا يزال يعيش في ضمائرنا وفي عروقنا، لأنّ الوطن، بوحدته، وطاقته وصيرورته، يعيش بقدر ما يتمّ بناؤه وترسيخه في وعينا ومن خلال وعينا كمواطنين".

غناجة
ثم كانت كلمة لعميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القدّيس يوسف لينا غناجة، تحدثت فيها عن "التحدي الذي ارتضاه الطلاّب واللجنة المشرفة إيمانًا بالدولة ومؤسّساتها على الرغم من تآكل وانهيار واضح لكيان وأسس دولة القانون"، وقالت: "من إيجابيات الأزمة التي نعيش هو كيفية حثنا كمجتمع مدني على التواصل مجددًا مع القطاع العام. وبالنسبة لبرنامج الشباب للحوكمة إن هذا البرنامج يحمل في طياته مشروعًا لاستعادة الدولة من قبل الشباب مع تغيير لشعار حفر بأذهان الناس منذ ايام الحرب ومفاده أنه لا وجود للدولة، على الرغم من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الشباب والتي تتضمن الكثير من الالتزام لإعادة بناء الدولة وفق تطلعاتهم، الأمر الذي بدوره يفرض التزامًا من الجامعات التي تضم هؤلاء الشباب ايضًا. أهمية البرنامج تكمن في التربية على المواطنة وعدم الاكتفاء بالشعارات كحرية التنوع والاختلاف والعيش المشترك، كما الانخراط في العمل الإداري للتعرّف على الجنود المستترين في الإدارة وتعزيز مبدأ وثقافة تحمل المسؤولية في الحياة السياسية التي ظهرت ضعيفة جدًا خصوصًا بعد انفجار مرفأ بيروت".

عطية
من جهته، ركّز رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، في كلمته، على "الشغف والنبض لدى الطلاّب والطالبات لإحداث شيء وترك بصمة في العمل الإداري، خصوصًا وأن التقارب الذي حصل بينهم وبين المواطنين والموظفين في الإدارة العامة وفي التفتيش المركزي ترك أثرًا وانطباعًا بفسحة أمل قدّمها هؤلاء الطلاّب لتحسين وتطوير كلّ ما تمت الإضاءة عليه من ثغرات ومكامن خلل في علاقة المواطنين مع الإدارة، علاقة الموظفين مع الإدارة، وفي النهاية علاقة المواطنين والموظفين بالتفتيش المركزي".

وأشاد عطية بـ"التحوّل المستجد للشبان والشابات من التوجّه نحو القطاع الخاص إلى القطاع العام باستعداد تام وجهوزية تامة لوضع كل المعارف والعلوم في خدمة الإدارة العامة لتطويرها وتحسينها لتقوم بنفسها في تطوير خدماتها إرضاء للمواطنين"، وقال: "هذا التحول الذي أنتج تقريرًا يمكن الاستفادة منه لوضع خطط واستراتيجيات للاستفادة من الطاقات الموجودة في القطاع العام بالإضافة إلى ضمّه كورقة إلى الخطة الإصلاحية الشاملة والتي يعمل عليها التفتيش منذ عامين".
وأشار إلى "منصة التفتيش المركزي Impact والنسب والأرقام الإيجابية التي تضمنها التقرير عنها، كما الاستعداد الواضح عند المواطنين لإتمام معاملاتهم رقميًا".

كلمات الطلاّب
بعدها، تحدّث الطلاّب كلّ من ايفا عبودي، وروميرو قدوم، وكريستينا يمين وجاد جرادة الذين شاركوا في برنامج الشباب للحوكمة على تقديم خلاصة التقرير تحت عنوان "من إدارة الأزمة إلى الإدارة العامة، نحن الدولة"، كما تمّ عرض شريط فيديو عن تجربة الشباب في الإدارة العامة وما اختبروه واكتشفوه طوال هذه الفترة.

الشرباتي
اختتم الحفل بكلمة للدكتورة كارول الشرباتي التي أشرفت من ضمن اللجنة التوجيهيّة على عمل وأبحاث الطلاّب والطالبات، موضحة "أن إشراك الشباب الجامعيّ من خلال البرنامج كان بمثابة تعيينهم كمستشارين لكشف الثغرات والنواقص في الإدارة العامة، بالاضافة إلى وضع الآليات والأنظمة لتصحيح هذه الثغرات والنواقص عبر استخدام العلم والمعرفة لفهم القطاع العام".
وقالت: "الاندفاع ظهر جليًا لدى الطلاّب والطالبات لمساندة الموظفين المدنيين الكفوئين والملتزمين بواجباتهم، كما تمت رؤية تجسد الدولة في عيونهم إلى جانب الحماسة والاستعداد والجهوزية للانخراط في عملية بناء الدولة". وشددت على "أهمية البرنامج الذي يقرب الشباب من مؤسسّات الدولة للاستكشاف والتقييم والتحليل للوصول إلى خلاصات وتقارير تشكل قاعدة أساسية في عملية تطوير القطاع العام".
وأعلنت أن "من أهداف البرنامج الوقوف إلى جانب رواد التغيير من داخل الإدارة ومساندتهم بالعلم والمعرفة من قبل الدكاترة والأساتذة والطلاّب لتحقيق أهدافهم وانتشال الإدارة من القعر والعبور بها إلى مكانها الطبيعي للقيام بدورها الفعال ومعها ليتم النهوض الفعلي للوطن"، معتبرة أن "البرنامج يشكل رسالة صمود وتحدٍّ في وجه من لا يريد التغيير من داخل وخارج القطاع العام، رسالة تتضمن العلم والخبرة والتكنولوجيا حيث لا يمكن لاي مناورة ان تقف بوجه البحث والتحليل والتنفيذ، وبحيث اصبح واضحًا وجليًا ان البلد بحاجة إلى هذا النوع من المقاربات التي فقط عبرها سيتم بناؤه".
وفي الختام، أشارت الشرباتي إلى ان البرنامج بكافة مراحله "يتمحور حول المواطن الذي يجب ان يصبح خبيرًا بشؤونه، توظيف العلم في خدمة التغيير، وكل ذلك سيتم وضعه قيد التنفيذ من خلال التعاون مع التفتيش المركزي والذي يشكل خطة استراتيجية هي اصلا في مراحل التطبيق".

لمحة عن التقرير وأبرز النتائج والتوصيات:
يهدف التقرير إلى مسح وفهم تصورات كلّ من المواطنين والموظفين العامين إزاء الإدارات العامة، ولهذا الغرض تم استخدام منهجية جمع المعلومات الكمية والنوعية، وخصوصّا طريقة استطلاع الرأي. فقد تمت تعبئة 1572 استمارة رقمية توزعت على ثلاث مراحل 1065 استمارة استطلعت رأي المواطنين، 470 استمارة استطلعت رأي الموظفين العامين و37 للموظفين في التفتيش المركزي، من خلال فريق مؤلف من 17 باحثا و4 مشرفين و4 محللين، كما أُصدرت 3 تقارير جمعت في التقرير الموحّد النهائي. واليوم أشرفت على منهجية البحث لجنة توجيهية لدى جامعة القدّيس يوسف مؤلفة من أساتذة وخبراء في الإدارة العامة والحوكمة ورسم السياسات العامة، وذلك بالتعاون مع التفتيش المركزي.

وسلّط التقرير الضوء على غياب مفهوم خدمة المواطنين في الإدارات العامة، كما عكس مدى تدني مستوى الثقافة المدنية لدى المواطن الذي ليس لديه معرفة كافية أولاً بأجهزة الرقابة وإمكانية تقديم الشكاوى لديها، وثانيًا بكيفية إنجاز المعاملات وإتمام المستندات الخاصة بها.

في سياق آخر، أشار التقرير إلى معرفة الموظفين بمكامن الثغرات والحلول المنشودة لها كمكافحة الفساد وضرورة استخدام المكننة لإنجاز المعاملات، إلا أن العائق أمام تحقيق هذا الأمر بقي من خلال عدم إشراكهم أو إعلامهم عن الخطط والأهداف الإستراتيجية المنوي تحقيقها، خصوصًا الفئة الشبابية منهم والتي تلامس الـ7% من مجموعهم الإجمالي. تجدر الإشارة إلى أن 81% من الموظفين هم من حاملي الشهادات الجامعية، 34% من حملة شهادة الماجيستير، 76% منهم يجيدون استعمال الكومبيوتر. كما شدد التقرير في خلاصته على ضرورة إعادة إحياء ثقة المواطن بالمؤسّسات والإدارات العامة.

من أبرز التوصيات التي جاءت في التقرير، رقمنة العمليات البيروقراطية وخدمات المواطنين ابتداء وبشكل أولي من معاملات الضمان الاجتماعي، تسهيل عملية الوصول إلى المعلومات او المستندات المطلوبة لإتمام المعاملات، تعزيز الثقافة المدنية مع تحديد الحقوق والموجبات، التوعية حول مهام وصلاحيات الأجهزة الرقابية، تسهيل الوصول إلى الخدمات الرقمية بالتساوي، تطبيق اللامركزية الإدارية على الخدمات مع إشراك للسلطات المحلية في التوعية ونشر الثقافة دعمًا للمواطنين، الاستفادة من التجربة الناجحة مع منصة التفتيش المركزي Impact وتعميمها على الإدارات عبر الاستمرار في انتهاج التحول الرقمي وإشراك جميع الأجهزة الرقابية عليها ما يسهل الرقابة المشتركة مع المساءلة والمحاسبة لتحقيق العدالة الاجتماعية في الخدمة العامة، وأخيرًا وفي سياق متصل إنشاء وتحديد مؤشرات رئيسية لتقييم الأداء.

وكخلاصة، شدّد التقرير على ضرورة تنظيم الهيكليّة الإدارية العامة للدولة وتحسين أدائها مع اتخاذ الاجراءات اللازمة لتفعيل دور المؤسّسات والإدارات والتي تشكل بداية الطريق في محاربة الفساد.

لمحة عن البرنامج
يهدف برنامج الشباب للحوكمة Youth for governance إلى إشراك الشباب اللبناني في العمل الإداري في ظل انعدام الفئة الشبابية تقريبًا في الإدارات والمؤسّسات العامة، التعاون مع القوى العاملة داخل المؤسّسات ومساندتها للحدّ من الفساد، توظيف التفكير التحليلي وابتكار الحلول من أجل تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة، مع ما يتطلب ذلك من إجراء للأبحاث والاستطلاعات والمقابلات مع موظفي الإدارة العامة والمواطنين، لاستخلاص النتائج العلمية والخروج بمقترحات تطبيقية وعملانية للوصول إلى تطوير العمل الإداري ورقمنة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين والمواطنات.
شارك في البرنامج بنسخته الأولى لصيف 2021، 29 طالبا وطالبة تم قبولهم من أصل 87 طلب انتساب، ومعظم الطلاّب من الجامعة اليسوعيّة، الجامعة اللبنانية، جامعة الحكمة، الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية.
قام الطلاّب بالعمل على محورين بحسب اختصاص كل منهم، محور الأبحاث والسياسات ومحور التطوير التقني. من جهتهم، قام طلاّب العلوم الاجتماعية بإجراء دراسات حول الإدارات العامة، الجمعيات في لبنان وقدراتها الرقمية، وأيضًا دراسات حول البلديات والتنمية الريفية، في ما طور طلاّب الهندسة مشاريع ممكننة ساهمت في إيجاد حلول رقميّة سريعة لأدوات خاصة بمؤسّسات الدولة تقدم خدمات عامة للمواطنين والمواطنات.

تم اختتام النسخة الصيفية الأولى من البرنامج بتوزيع شهادات مشاركة وإطلاق فيلم قصير حول الدراسة الميدانية التي أعدها وتابعها الطلاّب والتي أفضت إلى اصدار 3 تقارير مفصلة حول كل مرحلة.