قد يقتُلُكَ الغرور

Sally Zakhia
Mardi 31 mai 2022
Organisateurs

أَوهامكَ التي تَعيشُها داخلَ رأسِكَ، حاول، ولو لِمرَّةٍ، أَن تَبقيها داخل جُدران رأسِكَ.

غُرورٌكَ المُتفَشي كَوباءٍ على سطحِ الكُرة الأرضيّة، حاول، ولو لِمرَّةٍ، أَن تُقيّده داخِلَ سِجنٍ إنفراديّ.

ماذا يَعني أَن تُصَّدِقَ أَوهامَكَ؟

ماذا يَعني أَن تَقِفَ على سطحِ غرورِكَ وتُجاهِرَ به؟ كيف يُجاهِرُ أَحدُهم بِصَفةِ الغرورِ؟

أُكثِرُ أنا، ربّما، من اقتباسِ محمود درويش. لكنّه، من دونِ أن يعلَم، الشَخصَ الوحيد الذي أَلجؤ إليه عند حاجتي إلى البكاء، رفيقُ لحظاتِ الضعف. هذا ليس جوهر الموضوع. لنَعُد إلى الاقتباس. يُصّرحُ بالفمِ الملآن " نرْسيسُ ليس جميلاً كما ظنّ. لكنّ صُنَّاعَهُ ورَّطوهُ بمرآته. فأطال تأمُّلَهُ في الهواء المقَطَّر بالماء..." (قصيدة لاعب النرد).

هل سمعتَ؟ هل قرأتَ؟

صُنّاعُ نرسيسِ، لسوءِ حَظه، ورّطوه بمرآةٍ. أمتورّطٌ أنتَ بمرآةٍ؟ أتكمن مُشكلتُك عند حدودِ قطعةٍ من زجاج قد تَنكسِرُ في أيّةِ لحظةٍ؟

ربّما ليست مرآة بل إمرأة هي التّي ورطّتك ولن تَعد تَعلَمُ كيف يَسيرُ القِطارُ على السِكّة؟ أنّه يسيرُ على سكةٍ. يسير على سكّةٍ ووجهةٍ محدّدة. وإن كُنتَ لا تدري عدّ إلى هذه الصفحات وقرأها مرّة أُخرى.

كُفَّ. قِف. وانظُر إلى حقيقتك.

اعترف بها.

يأتي هُنا مفهومٌ أسمحُ لنفسي أن أُضفه.

الكذب.

مفهومُ الغرور مرتبطٌ، على ما أظنّ، بمفهوم الكذب.

كَتبَ لي صديقٌ، كان عزيزاً، في مرّاتٍ من المرات، خواطرته. لم أُجبه حينها. ربّما مشاعر الخوف كانت أقوى من قدرتي على الإجابة. ربّما خفتُ من مشاعرٍ قد تورّطني بالغرور. مشاعرٌ كانت صادقة.

لن أذكر الآن هذه الخواطر. سأذكر خواطري. إجابتي على السؤال. إجابةٌ لم يعد لها أهميةٌ أو مكان بين هذه السطور. ستكون هذه الخواطر غروراً وكذباً.

"ربّما كان اللقاء الأوّل غريباً

ربّما كنتُ فعلاً قد تأخّرتُ في العودة

لكنّي تركتُ كلَّ أماكني للمشاعر.

أنا هي أكثر من بحاجةٍ لرحلة سريعة...

لِغدرِ الليالي الطويلة...

لسكر حواجز الحزن والألم.

قلّب صفحات هذا الكتاب وتعال... أرجوك."

غرور؟

كذب؟

سأتركُ لك، له، الإجابة. وعلى أغلب الظنّ لن أحصل على إجابة واضحة. اعتدتُ على الإجابات الضبابية. اعتدتُ على سكن الجبال وعلى الطقس الضبابي. لا أُحبذُ ذلك لكنّه الواقع الذي فُرضَ منذُ ولادتي. يومَ ولدتُ أخبرتني أمّي أنّ الثلج قد تساقط. ليس بالأمر العجيب أن يتساقط الثلج في شُباط، إنّما أن يتساقط في منطقةٍ ساحلية تعلو مئتي متر فقط عن سطح البحر اعتبره أمّي إشارةً لواقعيّةِ وصولي إلى هذه الأرض.

قد يكون واقع تساقط الثلج هو الحكمُ الذي صَدر، من الكون، بالظلم الذي يُلاحقني أينما التفت. ظننتُ، لفترةٍ طويلة من الزمن، أني مميّزةٌ عن الباقين، ليسَ لأنّ الثلج تساقط، ولكنّي لم ولن أعلم ما هو السبب.

ابتعدتُ عن موضوعي الأساسي. ربّما من غروري أو من عدم قدرتي على التركيز، مؤخراً، على موضوع محدّد فاقلّب كتاباً لأقرأه لكنّي نادراً ما أكمله. أبدأٌ بمسلسلٍ أو فليمٍ جديد وفجأةً أنسى وجودهما.

أبدأُ علاقةً لا أعرف ماهيتها وأنسى متابعتها فقط لأنّي لا أبه بالتفاصيل أو ما عُدت أبه.

تعلّمتُ من غرورك الكثير.

تعلّمتُ ما لا أريده من هذه الدنيا. من هذه الرحلة. من هذا الوجود.

تعلّمتُ ما يجب علييَّ أنّ لا أحبّ

تعلّمتُ من حبّك أنّ الكذب سهلٌ جداً. كيف أنّ ثقتنا بالناس لا يجب أن تأتي بسعرٍ زهيد.

ما أسهل العمر حين يمّر على حين غرّة. يأكلُ من جسمنا كلّ أطرافه. لا يدان لاعانتق جسدك ولا رجلين لأركض نحوك.

غرورك الذي تُجاهرُ به، على أنّك زير نساءٍ او أنّك الأجمل أو الأفهم، ضعه جانباً.

مهما تأخّرت العواقب فهي آتيّةٌ لا محالَ.