عقلِكْ سابِقْ سِنِّك

فرح فواز
Mardi 31 mai 2022
Organisateurs

طفولة، لا تشبه الطفولة بأوصافِها ولهْوِها، فلطالما كنت منذ نعومة أظفاري أسمع هذه العبارة المأثورة تتردّد إلى مسمعي فتتوصّ قلبي وتَدخُلْه من دون استئذان

حتى إذا ما قال لي أحدُهم، قريبًا كان أم بعيدًا، إنّ « عقلِك سابِق عُمرِك يا بنت »، أشعر بالفخر والاعتزاز، فأتبسّم له مطمئنّة، راضية، واثقة بنفسي، متميّزة عن سائر أترابي في شتّى النواحي. 

ليتني أكبر وأواجه الحياة

ما زلت أذكر قولَ جدّة والدتي « زُليْخة »، حين رأت تصرّفي عند مجالستي لها وللعائلة: « هيدي الصغيرة واعية وبدو يطلع منها كتير، بكرا رح تتذكروني ». احتار أهلي في أمري واعتراهم الفضول ليعرِفوا ما الذي دها امرأةً ربّت ورعَت ثلاثة أجيال على التوالي، لتزعمَ أنني رغم صغر سنّي سأكون واعدةً في مستقبلي. فقد كنت أسابق الوقتَ فأنجز واجباتي المدرسية، وأشاهد البرامج والإذاعات التثقيفية العلمية وآنِمي « المحقق كونان ». كما تجلّت هواياتي في قراءة القصص والروايات والتعمق في معرفة الكون وحفظ أسماء المجرات والنجوم. لم أكن ألهو مع صديقاتي اللواتي كنّ يلعبْنَ ويمرحنَ ولم أشبه أقراني. لم يُغرِني سوى حديث الكبار. وددتُ لو أكبر بسرعة. كنت أتطلّع لأن أكونَ فتاة عشرينية.

« مُخضرَمةٌ هي تلميذتي، تسألني سؤالًا أطرحه على نفسي، وأنا في السبعين »

أستاذي الفاضل في علم الفيزياء في الثانوية، الذي ناسبَه لقب « أينشتاين العصر »، رحمه الله، كان من اقتطف الثمرة المخبّأة تحت خلايا عقلي الذي يسبق عمري، فأَدركَ كُنْه ذاتي التي تعجّ بالأحلام والطموحات. وهذا ما ثبت لديه من خلال رسالةٍ قدّمْتُها له في عيد المعلّم، أنني أمتلك خِصالًا عليّ تنميتُها والإفادةُ منها.

« كبُرنا… كَم كَبرنا والطريق إلى الفرح لا يزال طويلًا »

 محمود درويش

كثيرًا ما تستهويني مقولات الشعراء والأدباء، لا سيّما أنني تنبّهْتُ لاحقًا، أنَّ من سبقَتْ عمرها قد تركت خلفها محطاتٍ جميلةً لن تعود، تُثقِلُ أعباءُ المسؤولية براعمَها الطريّةَ وتستنفذُ طاقتَها.

ليتني أعود طفلة فتكون أكبر همومي دُميَتي

ها أنا في العشرينيات من عمري، أخيرًا كبرتُ كما كنت أشتهي. عشْتُ تجاربَ أظهرت مكنونات الحقيقة، فوجدتُ نفسي امرأةً تحِنّ لأيام الصبا ودفاتر الرسم ومجالسة الجدة.

لا ريْب أنَّ الإنسان صاحب العقل الراجح يتحمّل مسؤولية استثنائية. ويبقى السؤال: هل مَنْ سَبقَ عقلُهُ سنَّه فَرِحٌ بما آلَ إليه، يتمتّع بمباهج الحياة ويعيشُ أسعدَ اللحظات، أم أنّه تائِهٌ بين طفولةِ قلبه ونُضجِ عقله؟ أخبروني عن وجهة نظركم في التعليقات.