فلسطين... ماذا بعد الحرب؟

طاولة مستديرة في جامعة القدّيس يوسف
الأربعاء 6 كانون الأول 2023
Campus des sciences humaines

شهدت جامعة القدّيس يوسف في بيروت لقاء مميزًا، حيث نظّم قسم التاريخ والعلاقات الدولية في كليّة الآداب والعلوم الإنسانية طاولة مستديرة بعنوان "فلسطين... ماذا بعد الحرب؟"، كانت مناسبة للتفاعل وتبادل الآراء بشأن الوضع الراهن في المنطقة.

أحد الحاضرين البارزين كان هوبير فيدرين، الذي شغل منصب وزير الشؤون الخارجية الفرنسي سابقًا، والذي شارك في الجلسة عبر الفيديو من باريس. بعد كلمات الترحيب لكل من عميدة الكلية البروفسورة ميرنا غناجة ومسؤول قسم التاريخ والعلاقات الدولية البروفسور كريستيان توتل الذي أدار الندوة، قدّم فيدرين تحليلاً شاملاً للتطورات التاريخية والسياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

في مقدّمته، أكّد فيدرين على أهمية هذا اللقاء لتحقيق فهم أفضل للمشهد المعقد الذي يشهده العالم اليوم. وأوضح أنه يتكلّم ليس كمثقف فقط، بل بناءً على تجربته الشخصية كمشارك في جميع عمليات السلام منذ عهد فرانسوا ميتران إلى الوقت الحالي، حيث شهد العديد من التحوّلات في المواقف والمفاوضات.

تحدث فيدرين عن أهمية التفاهم بين الأطراف المعنية وكيف أنه من الصعب بناء حل دائم دون فهم عميق للقضية. تطرق إلى فترة مبكرة من مسيرته، حيث كان مستشارًا للرئيس فرانسوا ميتران خلال خطابه أمام الكنيست عام 1982، وكيف تحدث هذا الاخير عن دعم دولة فلسطينية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع جدل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي حينها مناحيم بيغن الذي وقف وقال ان ما يطرحه ميتران هو ضرب للصداقة الفرنسية الاسرائيلية.

من ثم، ألقى الضوء على التحولات داخل إسرائيل وفلسطين على مرّ السنوات، مشيرًا إلى التناقضات في المواقف الداخلية. أوضح كيف يواجه المجتمع الإسرائيلي  صراعا  بين من يرون أنه لا يوجد مشكلة فلسطينية وبين من اعتبروا أن هناك قضية حقيقية، مثل اسحاق رابين، الجنرال القمعي الذي عاد واخذ موقفا شجاعا عبر استنتاجه أن هناك قضية فلسطينية. وتطرق فيدرين أيضًا الى التطورات في الجانب الفلسطيني، خاصةً تلك المتعلقة بياسر عرفات منذ زيارته إلى باريس في عام 1989، حيث أعلن أن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان يسعى للقضاء على دولة إسرائيل، قد أصبح باطلًا.

وتابع :"رأيت كيف تم تصوّر وصياغة وإطلاق وتنفيذ عملية السلام بشجاعة، وكيف تم تدميرها بشكل منهجي من خلال الصراع في كل معسكر: في إسرائيل بين الذين يرون أن هناك شعبًا فلسطينيًا يجب أن يحصل في النهاية على دولته، وبين أنصار "إسرائيل الكبرى"؛ وفي الجانب الفلسطيني بين الذين قالوا "لن نعترف أبدًا بدولة إسرائيل" وبين الذين يؤيدون الاعتراف ولكن بشرط الحصول على دولة مستقلة."

وأردف: "لم يكن هناك فقط  نزاع على الارض يمكن حلّه، بل صراع أيديولوجي في كل معسكر. بعد مسيرتي الطويلة، أدرك فشل عملية السلام وأنا منزعج من ذلك، لأنها كانت تهدف إلى منع الفظائع التي حدثت في السابع من أكتوبر وحرب غزة، بسبب ضعف الدعم الأوروبي للموقف الفرنسي، ورفض الولايات المتحدة فهم أن الأمان الحقيقي لإسرائيل يكمن في وجود دولة فلسطينية معترف بها، وموقف الدول العربية الذين أهملوا تمامًا قضية فلسطين بعد خطة عبد الله في القمة العربية في بيروت عام 2002، ورفض إسرائيل لهذا الاقتراح وتبنيها لموقف نتنياهو الرافض لأي تسوية وتطوير خطاب يقول إنه لا يوجد شركاء على الجانب الفلسطيني."

كما أعرب عن استغرابه قبول بعض الدول العربية لاتفاقيات ابراهيم دون مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني، مما يعد خطًا استراتيجيًا حتى من منظار الواقعية السياسية. وقال: "كان من غير المفهوم تمامًا أن تكون السعودية على استعداد للانخراط في التطبيع دون فرض حلاً مناسبًا مسبقًا. وبالتالي، جلبوا على طبق من ذهب لإيران، وحماس، وربما حزب الله، قنبلة موقوتة تسمى غزة".

كما دعا إلى إعادة إحياء عملية السلام بهدف اقامة دولة فلسطينية، مؤكدًا أنه يجب على الجهات المعنية العمل بجدية وتنسيق لتحقيق هذا الهدف. وتابع: "هذا يعيدنا إلى مسألة القيادة في إسرائيل مع نتنياهو الذي يقول: "أنا الحاجز الوحيد ضد دولة فلسطينية. ليس للفلسطينيين دائمًا محاورون في إسرائيل. ولكن أعتقد أن الصدمة ستؤدي إلى حركة نحو حل بين قيادة إسرائيلية جديدة وإدارة جو بايدن والدول العربية التي فهمت اخطاءها وشركاء فلسطينيين".

من جهته قال السفير الفلسطيني في لبنان، أشرف دبور:" تحدث الوزير فيدرين عن أن هناك جزءًا من الشعب الإسرائيلي يميل نحو السلام. ولكن للأسف، نجد في هذا العصر أن هذا الشعب بأكمله لا يرغب في السلام ولا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني. وهذا أمر محزن، لأنه لفترة طويلة كان هناك معسكران، أحدهما مؤيد للسلام والآخر متشدد. بالنسبة لما تحدث عنه الوزير بخصوص إمكانية حلّ المشكلة، هل كان من الضروري تجاهل القضية الفلسطينية لسنوات عديدة، في حين كانت القيادة والشعب الفلسطينيان يطالبان المجتمع الدولي بالتدخل؟ وعندما قدم أحدهم اقتراحًا مثلما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، هل كانت النتيجة تحقيق الحل المرجو؟"

وتابع :"نسمع اليوم من الأميركيين والأوروبيين وغيرهم أن الحل يكمن في إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الوحيد على وجه الأرض الذي لم يحقق حتى الآن حريته واستقلاله. ولكن للأسف، بعد أن شاهد العالم كله أطفالًا تم تمزيقهم وهجمات المستوطنين وسن التشريعات العنصرية والتضييق على الكنائس والمساجد ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا، وكل ذلك في عهد تلك الحكومة التي يرأسها نتنياهو والتي تضم المتطرفين مثل سموتريتش الذي يتبنى شخصيًا سياسات التضييق والقمع ضد الفلسطينيين".

وأردف: "أما بالنسبة لمبادرة السلام العربية التي اعتمدت خلال قمة بيروت عام 2002، فقد اطلق شارون عليها رصاصة الرحمة بفعل حصاره للرئيس الراحل ياسر عرفات حتى تمت قتله. ومع ذلك، نحن ما زلنا متمسكين بهذه المبادرة. أما اتفاقية السلام التي وقعها عرفات مع رابين، فأدت إلى مقتل هذا الأخير، والذين شجعوا على قتله كانوا جزءًا من المجتمع الإسرائيلي. وما زال نتنياهو يتحدث عن أن اتفاقية أوسلو هي خطأ كبير، على الرغم من أنها، من وجهة نظرنا كفلسطينيين، تُعتبر انتهاكًا كبيرًا لحقوقنا. الأمثلة كثيرة على أن القيادة والشعب الإسرائيليين لا يريدون سوى إسرائيل الكبرى، بدون وجود للشعب الفلسطيني. أما حل الدولتين، فقد عدنا نسمع به، وخاصةً من الأميركيين نتيجة للأحداث الأخيرة. ولكننا لسنا واثقين، لأن من يبحث عن حل لا ينتظر حدوث الأزمات، والأجدى له أن يطالب بوقف القتل المنظم للشعب الفلسطيني والمحاولات المتواصلة لتهجيره بخطوات غير معلنة من قبل الإسرائيليين".

كما شدد السفير على أهمية موقف بعض الدول الأوروبية التي تدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتمنى أن ينسحب على الاتحاد الأوروبي. كما دعا إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو في الأمم المتحدة، ووضع الإسرائيليين أمام الامر الواقع. أما بالنسبة للرؤية الفلسطينية بعد الحرب الحالية، وللخروج من الوضع الصعب الذي خلقته حكومات الاحتلال المتعاقبة بسبب إنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني والإهمال الدولي لقضيته، وعدم إيلاء القضية الفلسطينية الاهتمام اللازم خلال العقود الماضية والتي أدت إلى الوضع الراهن، كرر السفير دعوته إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن وعقد مؤتمر دولي للسلام بعد الاعتراف بهدف إنهاء الاحتلال وتوفير ضمانات دولية وجدول زمني للتنفيذ. وختم: "واهمٌ من يعتقد أن فلسطين ستركع وستستسلم للواقع، لكن يحتاج ذلك بالتأكيد إلى توفير عناصر الصمود وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية."

مدير معهد الدراسات الفلسطينية في بيروت، رامي الريس، أشار أن هذه الحرب ليست ضد فصيل معين بل هي حرب ضد كل الشعب الفلسطيني ومطالبه الشرعية، والهدف الوحيد هو القضاء على القضية الفلسطينية. وتابع: "الوضع في الضفة الغربية خطير بنفس القدر كما هو الحال في غزة، حيث يكمن الهدف في تعزيز العزل الجغرافي والسياسي، دون نسيان الاضطهاد الذي يتعرض له أبناء عرب الـ 48".

وقال: "للأسف، لم يتغير دعم الولايات المتحدة الثابت لإسرائيل، مما يترجم بعدم وجود ضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف هذا العدوان. ولم تستجب الدول الغربية للتظاهرات الشعبية التي طالبت بوقف الحرب. لذلك، لا يمكنني تقدير متى ستتوقف الأعمال العدائية. هناك أهداف غير واقعية وضعتها إسرائيل، بما في ذلك القضاء على حركة حماس وتحديد من سيحكم غزة. ومع ذلك، الأمر المؤكد هو أن هذه الحرب جذبت مجددًا الانتباه الدولي إلى القضية الفلسطينية". وتساءل:"فلنفترض أن هناك ضغطًا نحو حل الدولتين، كيف سيتم التعامل مع قضايا مثل المستوطنات؟"

كما تمحورت النقاشات مع الطلّاب حول التعقيدات والتحديّات الكبيرة التي تواجه جهود إيجاد حلّ للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.