لمناسبة الذكرى المئة والخمسين لتأسيسها، كتبت جامعة القدّيس يوسف في بيروت (USJ) صفحة جديدة ومميّزة في تاريخها، إذ نظّمت يوم الخميس 21 آب 2025 عشاءها الكبير الأوّل على هضبة باكيش الخلّابة. وقد اجتمع أكثر من 620 صديقًا وخريجًا من الجامعة في لحظة تاريخيّة طبعها التضامن والأمل.
شهدت الأمسية حضور شخصيّات عديدة من العالم الأكاديمي والاجتماعي والسياسي، إلى جانب عدد كبير من خرّيجي وأصدقاء الجامعة.
وكان لحضور السيدة الأولى، السيدة نعمت عون، وقع مميّز، إذ شرفت المناسبة بحضورها، إلى جانب عدد من الوزراء: نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، وزير الطاقة والمياه ورئيس المجلس الأعلى للجامعة جوزف صدي، وزير الثقافة غسان سلامة، ووزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، ووزيرة السياحة لورا الخازن لحود، ووزير العدل عادل نصّار، ووزير الإعلام بول مرقص، ووزيرة البيئة تمارا الزين وزوجها جان-نويل باليو المدير الإقليمي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية في الشرق الأوسط.
كما حضر أيضًا سفراء وممثلون عن السلك الدبلوماسي، إضافةً إلى رئيس اتحاد جمعيات خريجي الجامعة، القاضي عباس الحلبي، ونواب رئيس الجامعة وعمدائها، فضلًا عن أعضاء المجلس الأعلى للجامعة، وأعضاء مجلس إدارة مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف (Fondation USJ)، وأعضاء مجلس إدارة "مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف في الولايات المتحدة.
احتفال مؤثّر ومفعم بالعاطفة
تحت أَلَق غروب الشمس وعلى أنغام آلة القانون الساحرة التي عزفتها غنوى نمنم، استُقبل المدعوون من قِبل مديرة مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف، السيدة سنتيا-ماريا غبرييل أندريا. وفي كلمتها الترحيبية، عبّرت غبرييل أندريا عن امتنانها العميق للحاضرين على تضامنهم، موجّهة تحيّة خاصة إلى الشركاء والرعاة الكرماء، والمورّدين، والفرق الداخلية في الجامعة من الخدمات المالية والمشتريات والاتّصال، إلى جانب المستشار في التواصل والتسويق، وفريق مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف، والمحترفين في تنظيم المناسبات. كما حيّت «امرأتين استثنائيتين»، عرّابتي الأمسية، لما تجسّدانه من أناقة ورقّة، مذكّرة بأن كامل برنامج العشاء أُنجز على أيدي خريجي جامعة القدّيس يوسف، في دليل حيّ على قوّة مجتمعها.
وقالت بتأثّر: «هذا المساء، أمسية الأمل، هو قبل كلّ شيء تجمّع من أجل طلابنا. 64% منهم يحتاجون إلى دعم مالي، وبفضلكم نستطيع أن نقدّم لهم ليس فقط الأمل، بل أيضًا فرصة لبناء مستقبلهم».
وألقى رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ كلمة شكر فيها بحرارة السيدة الأولى والوزراء والسفراء وخريجي الجامعة وأصدقاءها الحاضرين. وذكّر بأن هذا العشاء ليس مجرّد لحظة احتفالية بل هو «أمسية أمل» تهدف إلى تعزيز الالتزام المشترك تجاه التربية، وإلى التذكير بالرسالة الفريدة لجامعة القدّيس يوسف وجوهر دعوتها: تخصيص ثلث ميزانيتها سنويًا للمنح، حتى لا يُحرم أي طالب من التعليم بسبب ضائقته الماليّة.
كما سلّط الضوء على دور مستشفى أوتيل ديو دو فرانس في استقبال المرضى من دون تغطية صحية، وأكّد على أنّ التربية هي الوعد الحقيقي بمستقبل لبنان. وفي ظل الأزمات، شدّد دكّاش على أنّ تعليم الشباب هو أفضل وعد لمستقبل هذا الوطن. وتابع مذكّرًا بالدور التاريخي لجامعة القدّيس يوسف: «فلنتذكّر أنّها جامعة يسوعية أُعلنت ذات منفعة عامة سنة 1981 بقرار من مجلس الوزراء». كما أشاد بدورها التاريخي كونها منارة للمواطنة والعدالة منذ العام 1875. بعدها حيّا «النجوم الخمسة» للأمسية: «أعضاء لجنة التنظيم، ولا سيما السيدات زازا جبر، رولا غسطين وسنتيا-ماريا غبرييل أندريا، إضافة إلى السيد غاري والسيدة لارا شيكردجيان اللذين يستضيفاننا الليلة على أرضهما، وكل من أسهم في نجاح هذا اللقاء: المنظمون والشركاء». كما توجّه دكّاش بكلمات شكر إلى السيد سمير عساف وجميع أعضاء المجلس، أصحاب المبادرة والعاملين على إنجاز هذا العشاء الكبير، وإلى أعضاء لجنة الاستثمار في المؤسّسة التي يرأسها السيد إيف شويفاتي، وكذلك إلى جميع أعضاء مجلس إدارة مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف في الولايات المتحدة، برئاسة جون بو عزيزي وبتوجيه المستشار القانوني المحامي برج ستركَيان.
كما أعرب البروفسور دكّاش اليسوعي عن امتنانه للسيد راي فرنسوا دبّانه، الصديق الكبير للجامعة وضيف الشرف في الأمسية، على شهادته المؤثرة. ولم ينسَ أيضًا المحسنين والداعمين والأصدقاء، ومن بينهم السفير جيلبير شاغوري، مضيفًا: «شكر خاص لكل من يجعل من خلال دعمه المتواصل استمرار رسالتنا التربوية والاستشفائية ممكنًا». وختم قائلًا: «إنّها الليلة الكبرى حقًا: لحظة تتلاقى فيها فخامة تاريخنا، وامتناننا لشركائنا، وعزمنا على بناء مستقبل مشرق معًا. شكرًا لكم جميعًا على حضوركم، وعلى ثقتكم وإيمانكم بجامعة القدّيس يوسف ورسالتها».
وأعلن رئيس الجامعة أن حرم العلوم الاجتماعية في شارع هوفلان، الذي يضم كلًا من كليّة الحقوق والعلوم السياسية وكليّة إدارة الأعمال، سيحمل من الآن فصاعدًا اسم فرنسوا دبّانه، تكريمًا لهذا الرجل الكبير المنخرط بعمق في رسالة الجامعة.
وفي مداخلة مؤثّرة، ذكّر رئيس مجلس إدارة مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف، السيد سمير عساف، بأن «150عامًا… ليست مجرد ذكرى سنوية: إنما هي الإرث الحيّ لمؤسّسة لم تتوقف يومًا عن التعليم والابتكار والعطاء». وأكّد على رسالة الجامعة التي تجسّد، من خلال خريجيها ومستشفاها ومختبراتها ومنحها، رؤية في خدمة لبنان والعالم.
كما شارك عساف ذكرى شخصية مؤثرة، إذ ذكّر بأنه استفاد شخصيًا من منحة لمتابعة دراسته، وأنه من دون هذا الدعم لما كان حاضرًا اليوم. هذا الاعتراف عزّز القناعة بأن المنح ليست مجرّد دعم مالي، بل هي وعد بالحياة والمستقبل.
ولأجل تحقيق هذه الرسالة، عزّزت الجامعة حوكمتها بإنشاء هيئتين أساسيتين: المجلس الأعلى للجامعة، برئاسة وزيرنا العزيز جو صدي، الضامن للتوازن المؤسّسي؛ ومجلس إدارة مؤسّسة جامعة القدّيس يوسف، الذي أتشرّف برئاسته، والمسؤول عن جمع الأموال، وضمان حسن إدارتها، واستثمار رأس مال صندوق الوقف لصون المستقبل.
وقد قدّم السيد عساف المشروع الرائد لصندوق الوقف (Endowment Fund)، المخصّص لضمان استمرارية جامعة القدّيس يوسف، داعيًا الجميع إلى المساهمة في هذه المهمة الجماعية. وقال: «تقديماتكم ليست مجرد أرقام: إنّها أفعال إيمان بالمستقبل»، قبل أن يوجّه شكره الصادق إلى أعضاء المجلس والمحسنين الأوفياء. وأضاف: «هذه الليلة هي أمسية أمل. ومعًا، نحن لا نحتفل فحسب بذكرى سنوية، بل نستثمر في شبابنا، في مستقبلنا، في وعد بمستقبل أفضل… ولبنان أفضل مما عرفناه أو عجزنا عن بنائه حتى اليوم. هذا المساء، نحن لا نستثمر في جامعة فحسب، بل في مستقبل لبنان أفضل. وطالما وُجدت جامعة القدّيس يوسف، فلن ينطفئ الأمل أبدًا».
الأمسية، التي تولّت تنظيمها شركة Caractère Events، أضاءت على فنانين ومواهب من خرّيجي الجامعة: جون أشقر الذي تولّى دور عرّيف الحفل، والمغنية منال ملّاط، ودي.جي رودج. أما المزاد العلني الذي أدارته ماريانا وهبة، فقد شكّل دليلًا على اندفاعة استثنائية من الكرم.
شهادة ملهمة من راي فرنسوا دبّانه
بصفته ضيف الشرف في الأمسية، ألقى الرئيس التنفيذي لشركة Invus، راي فرنسوا دبّانه، كلمة مميّزة حملت بعدًا شخصيًا وعالميًا في آن. قال: «لست من خرّيجي جامعة القدّيس يوسف، لكنني كبرت في ظلّها، إذ إنّ والدي، أستاذ المالية العامة، درّس فيها لعقود. نزاهته، وصلابته الفكرية، ورؤيته ظلّت بالنسبة لي علامات أساسية».
غادر لبنان سنة 1975، مع اندلاع الحرب، معتقدًا أنّ غيابه لن يتجاوز أسبوعين، ولم يعد بعدها. وبعد نيله ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد، وخوضه تجربة مع مجموعة بوسطن الاستشارية، أسّس شركة Invus، وهي شركة استثمار مقرّها نيويورك. وفلسفته: عدم السعي وراء الربح الفوري، بل بناء شراكات طويلة الأمد مع روّاد أعمال أصحاب رؤية. وأضاف: «بالنسبة إليّ، لم يكن فنّ الصفقة يومًا قائمًا على معادلة ربح–خسارة، بل دائمًا على ربح–ربح». وقد شرح أفكاره من خلال ثلاثة أمثلة بارزة:
أولًا، شركة Keebler، وهي شركة بسكويت أميركية كانت على شفير الإفلاس في التسعينيات. في حين كان الجميع ينسحب، اختار هو الاستثمار مع فريق إداري جديد. وخلال عامين فقط، ولّدت الشركة أكثر من 200 مليون دولار أرباحًا، وطرحت أسهمها في البورصة بقيمة بلغت 13 ضعف سعر الاستحواذ.
ثانيًا، شركة Weight Watchers، التي كانت عام 2015 على وشك الإفلاس. عندها توجّه إلى لوس أنجلوس لإقناع أوبرا وينفري بأن تصبح شريكة ومستثمِرة وعضوًا نشطًا في المجلس. وقد غيّرت هذه الشراكة مسار الشركة، لتصبح واحدة من أبرز الاستثمارات في عصرها.
ثالثًا، شركة Blue Buffalo، وهي شركة صغيرة متخصّصة في أغذية الحيوانات الطبيعية، لم يكن رقم أعمالها يتجاوز 10 ملايين دولار. من خلال الرهان على الجودة والابتكار، ودعم نموّها بشكل واسع، بلغت قيمة الشركة 1.3 مليار دولار خلال 12 عامًا، محقّقة عائدًا استثماريًا بلغ 87 ضعفًا.
وأضاف دبّانه: «هذه التجارب تُظهر أنّ القيمة لا تُبنى بالهندسة المالية، بل بالثقة، والرؤية الاستراتيجية، والشجاعة».
وقال اليوم: «إنّ لبنان أمام فرصة تاريخية للنهضة». وهذه النهضة، برأيه، لا بد أن تمرّ عبر القيم التي تجسّدها جامعة القدّيس يوسف: النزاهة، والتميّز، والأخلاقيّات، وخدمة الخير العام. ولهذا السبب، اعتبر أنّ المنح الدراسية أساسية: فهي تتيح لألمع العقول أن تصل إلى التميّز مهما كانت ظروفها. وختم: «لو كان والدي حاضرًا الليلة، لكان فخورًا بأن يرى جامعة القدّيس يوسف تواصل تخريج قادة يعيدون الأمل إلى لبنان».
وختم دبّانه كلمته بنداء مؤثّر: «لنُعطِ شبابنا الفرصة لكي ينهضوا، ويقودوا، ويجعلونا فخورين بهم هنا في لبنان وفي العالم».
إرث حيّ، وأمل بالمستقبل
سيبقى العشاء الكبير الأوّل لجامعة القدّيس يوسف في بيروت علامة فارقة في الذاكرة، وحدثًا محوريًا في سنة اليوبيل: لحظة أعادت فيها جماعة الجامعة التأكيد على رسالتها التربوية والاجتماعية، واستعاد فيها لبنان، لسهرة واحدة، الطعم الحقيقي للأمل.
ألبومات الصور: