ضمن الحلقة الرابعة من الأيام الدراسيّة حول الخصوبة والحياة البشريّة الناشئة، واصل المعهد العالي للعلوم الدينيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، بالشراكة مع جمعيّة الكتاب المقدّس وجمعيّة «جنين»، مقارباته الأكاديميّة المتعدّدة الاختصاص حول مكانة الحياة وكرامة الإنسان منذ بداياته. وقد جاءت هذه الحلقة استكمالًا لمسار أكاديمي بحثي انطلق من مقاربات كتابية وتاريخية في العهد القديم، مرورًا بقراءات معمّقة في نصوص العهد الجديد، ليتناول في مرحلته الثالثة هويّة الجنين في كرامته وحقوقه عبر مقاربات علميّة، فلسفيّة، كتابيّة وأخلاقيّة.
أمّا هذه الحلقة الرابعة، فقد فتحت محورًا جديدًا حول مقاربات النصوص المقدّسة الإسلامية والمسيحية لمسألة الخلق ومسؤولية الإنسان، إضافة إلى الإضاءة على الأبعاد المعنوية والقانونية للحياة البشريّة الناشئة.
وفي كلمة الافتتاح، شدّد القيّمون على أنّ العنوان "من روح الله إلى أيدي البشر" يطرح عشرات الأسئلة التي تمسّ جوهر الحياة الإنسانية وعمق الكيان البشري الساعي إلى خالقه. فمنذ اللحظة الأولى للحياة، يُمنح الجنين كرامةً مقدّسة نابعة من مبدأ الخلق على صورة الله ومثاله، بحسب ما يورده سفر التكوين. فالإنسان ليس مجرّد خليّة حيّة، بل هو يحمل صورة الله في وجوده وفي العالم.
وفي هذا الإطار، قدّم المحاضرون سلسلة من المداخلات العلميّة واللاهوتيّة المتنوّعة. فبإدارة الدكتور أحمد الزعبي، انطلقت أعمال الجلسة مع قراءات قرآنيّة وشرعيّة لسماحة الشيخ الدكتور محمّد النقري، تلتها رحلة غنيّة في روايات الخلق في سفر التكوين مع الدكتور نقولا أبو مراد، أضاءت على الأسس اللاهوتيّة لبداية الحياة في التقليد الكتابي.
ثم قدّمت الدكتورة سوسن صلّوح عرضًا مقارنًا بين المراحل العلميّة لتكوين الجنين بتفاصيلها البيولوجيّة الدقيقة، وبين ترتيبات الشريعة الإسلاميّة المتعلّقة باحترام الحياة الناشئة، في تلاقٍ واضح بين العلم والنصّ الديني.
واختُتمت المداخلات بقراءة كنسيّة وقانونيّة شاملة قدّمها سيادة المطران إيلي حداد حول قضايا الإجهاض، والوسائل المساعدة على الإنجاب، والتبنّي، وما تحمله من تحدّيات أخلاقيّة وتربويّة ورعويّة.
حلقة جديدة تُضاف إلى مسار أكاديمي مستمرّ يضع كرامة الإنسان في صميم البحث العلمي والحوار الديني، ويؤكّد التزام المعهد برسالته في ترسيخ ثقافة الحياة والعدالة والاحترام المتبادل بين المكوّنات الدينيّة في لبنان والمنطقة.