الغطاء الثلجيّ اللبنانيّ تحت مجهر طالب دكتوراه في جامعة القدّيس يوسف

أكبّ الباحث شربل أبو شقرا على دراسة الغطاء الثلجيّ في لبنان، وهو موضوعٌ يكتسي أهميةً جوهريةً للبيئة، وذلك من خلال أطروحة دكتوراه في الجغرافيا اختصاص
Dimanche 5 Janvier 2019

 

لأنه يهوى الطبيعيةُ، والرياضياتُ وعلمُ الهندسة وتحديدًا علم هندسة الجغرافيا منذ نعومة أظافره، نجحَ شربل أبو شقرا بالحصول على دبلوم مهندس مسّاح من الجامعة الإسلاميّة في لبنان في العام 2011، وحازَ على ماستر في الجغرافيا اختصاص البيئة والتخطيط العمرانيّ، من جامعة القدّيس يوسف في سنة 2013.

تناولَ أبو شقرا في رسالتِه إشكاليةَ الثلجِ التي عاد ليتوسّعَ في دراستها في أطروحة دكتوراه عنونها: "مقارباتٌ تجديديّة لمراقبةٍ بالغةِ الدقةِ للغطاء الثلجيّ في جبل لبنان." ويؤكّد المهندسُ الشابُ:" يستحيلُ العيشُ من دون ماء، فالماءُ عنصرٌ جوهري لبقائنا وبقاء الكوكب. وفي لبنان، تتزايد حاجتُنا إلى المياه فيما نعاني شحًّا منها في فصلِ الصيفِ. والواقع أنّ الثلجَ يساهم في إعادةِ تغذيةِ المياهِ الجوفيةِ بنسبة %30 إلى 40 % إلا أنّه يتناقصُ بسببِ الاحتباسِ الحراري".

 وفي خلال عملية البحث والتوثيق، لاحظ الباحثُ غيابَ أيّ دراسة فعلية تقيّمُ بشكل دقيق احتياطيّ المياه المتوافر في لبنان على شكل ثلج. فقرّر نتيجة لذلك أن يكبّ على قياس المعايير الضروريّة لاحتساب معدل المياه المكافئ للغطاء الثلجيّ شأن حجم الثلج الحُبيبي (أو الفيرن) وعلى تقدير تاريخ الذوبان الكليّ للثلج الذي بدوره يحدّد توقّف تسرّب المياه الذائبة. وجدير بالذكر أنّ أبحاثه هذه تطلّبت استثمارات كبيرة واندرجت ضمن مشروعٍ مخصّصٍ لدراسةِ الغطاءِ الثلجيّ بالشراكة مع جامعة القدّيس يوسف، ومركز دراسات الفضاء في المحيط الحيويّ وفي معهد الأبحاث والإنماء الفرنسي (Cesbio-IRD)، والمجلس الوطنيّ للبحوث العلميّة في لبنان (CNRS-L). أضف إلى ذلك، أنّ أبو شقرا يسهم في الأبحاث التي يجريها المرصد اللبنانيّ الفرنسيّ للتنوّع البيولوجيّ (OLife).

مقاربات مبتكرة

يعلّق الباحث في هذا الإطار: "إن تقدير حجم الثلج ليس بالعملية السهلة على الأراضي الشاسعة التي تشكل السفوح العليا لجبل لبنان. وكي أتوصّلَ إلى إتمام هذه المهمة لجأتُ إلى العمل الميدانيّ واستخدمت وسائلَ غير مكلفة وتحققتُ من صحّةِ نتائجها. ومن هذا المنطلق أقترحُ في أطروحتي مقارباتٍ جيوماتيّة تجديديّة دقيقة للغاية كاستخدام محطة كاملة تضّم أجهزة كاميرا ثابتة وكاميرات طائرة (درون drones) بغية إجراء مراقبةٍ كميةٍ منهجيّةٍ مستمرةٍّ تطالُ الغطاء الثلجيّ الذي يكلِّل المرتفعات اللبنانيّة. وتندرج هذه المراقبة ضمن عملية تقدير أحجام المياه المكافئة لحجم الثلج".

وقد كشفت أبحاث طالب الدكتوراه عن ميل فعليّ في لبنان إلى تدني منسوب الغطاء الثلجيّ ينعكس في تقلباته من سنة إلى أخرى. وتؤكد النتائجُ النظريةَ هذه، منذ العام 2012 أي منذ تاريخ بدءِ أولى فتراتِ المراقبةِ المنبثقةِ عن عملية المتابعة التي أطلقها شربل. 

والواقع أنّ الشاب أمضى فترات طويلة على سفوح جبل لبنان ومرتفعاته في خلال عمله الميدانيّ حيث قام بأكثر من 50 زيارة ميدانيّة وعملَ في ظروفِ مناخيّة صعبة في بعض الأحيان. أضف إل ذلك، أنّه اضطرَّ أحياناً أخرى إلى حلّ مشاكل مرتبطة باستخدام عدة لا تحتمل الظروف المناخيّة الصعبة.  ويعلّق في هذا السياق فيقول: "لما كانت أطروحتي تستند إلى اختبارات يجب اجراؤها ووسائل يجب إثبات صحّتها ميدانيًا، تعدّدت المصاريف فشملت استئجار المعدات والتجهيزات، وتكاليف النقل، إضافة إلى أقساط دراستي".

 من هنا يودّ الباحث الشاب أن يشكر مجلس الأبحاث في جامعة القدّيس يوسف conseil de la recherche de l’USJ الذي موّل جزءًا كبيرًا من الأعمال الميدانيّة وقدّم له الدعم الماديّ للمشاركة في مؤتمرات عالمية كبرى شأن مؤتمر الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي AGU ومؤتمر الاتحاد الأوروبي للعلوم الجيولوجية EGU ، ومؤتمر KEPA، كما قدّم له منحة وفرصة للعمل ولمعالجة البيانات في مركز دراسات الفضاء في المحيط الحيوي  وفي معهد الأبحاث والإنماء الفرنسي (Cesbio) الكائن في تولوز. كذلك شكر اليونيسف وتحديدًا شعبة تنمية الأراضي والمياه التي قدّمت دعمًا لمشروعه سمحَ له باستخدامِ وسائل حديثة ومتطوّرة لقياس النتائج وتحليلها.

 

الجغرافيا، علم ضروريّ في حياتنا

تكلّلت جهود الباحث الشاب بنيله علامة 18/20 ودرجة شرف في خلال مناقشة أطروحة الدكتوراه في 2 تشرين الأول 2018.  والواقع أن شربل أبو شقرا يشارك نجاح أبحاثه هذا، المديرةَ المشرفةَ على أطروحته الدكتورة جانين سوما Janine Somma وأساتذةً متعددين أشرفوا على عمله وساندوه وقدموا له النصح بالإضافة إلى الباحثين في مركز دراسات الفضاء في المحيط الحيوي وفي معهد الأبحاث والإنماء الفرنسي.

 

يشغل شربل منذ العام 2015 منصب أستاذ في كليّة الهندسة في الجامعة اللبنانيّة الكنديّة (LCU). وفي العام 2016، أصبح مستشارًا فنيًا في الاتحاد العربي للمساحة (AUS) ومثّل لبنان في قطر وعمان في خلال الاجتماع الرابع (عام 2017) والاجتماع الخامس (عام 2018) للجنة العربية لخبراء الأمم المتحدة لإدارة المعلومات الجغرافية والمكانية (UN-GGIM) ضمن إطار مشروع Arabref . وفي العام 2017، أصبح شربل عضوًا مؤسّسًا لجمعية ليبانيز جيوغرافيك سوسايتي.

وفي الوقت الحالي، يرغبُ الباحثُ الشابُ في أن يستمرّ في العمل مع الاتحاد العربيّ للمساحة في الدول العربيّة من جهة ويبغي العمل كباحث مساعد في مركز البحث البيئيّ– المساحة المتوسطيّة الشرقيّة (CREEMO)، التابع لقسم الجغرافيا في جامعة القدّيس يوسف.

ويختم شربل أبو شقرا بالقول: "على الرغم من أنّها لم تكتس أهميةً جوهريّة قط، تبقى الجغرافيا علمًا أساسيًا في حياتنا وأنا أشجِّع كلّ من يهواها على ألاّ يتردّد ولو لبرهة في اختيارها منهجًا دراسيًا وسيرةً مهنيةً".

كارول عويط (جريدة لوريان لوجور)