الحسيني في الذكرى الثلاثين على توقيعه

الخميس 21 شباط 2019

لمناسبة مرور ثلاثين عامًا على توقيع اتفاق الطائف (1989-2019)، نظّم قسم التاريخ - العلاقات الدوليّة في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، لقاءً مع أبرز وجوه الاتفاق الرئيس السابق لمجلس النواب اللبناني حسين الحسيني، في حرم العلوم الإنسانيّة طريق الشام، بحضور رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعي ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وعميدة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة البروفسورة كريستين بابكيان عساف ورئيس قسم التاريخ الدكتور كريستيان توتل وعدد من نواب رئيس الجامعة والعمداء والشخصيات السياسيّة والدينيّة وحشد من الطلاّب والمهتمين.

في مستهل اللقاء ألقى البروفسور سليم دكّاش كلمة قال فيها: "أرحّب بكم دولة الرئيس حسين الحسيني في دارتكم، الجامعة اليسوعيّة في بيروت. وكلّ بيت من بيوت لبنان هو بيتكم فإنّكم من دون إذن دخلتم منذ زمن قلوب اللّبنانيين، ببلاغتكم الأدبيّة العميقة المعاني وبمواقفكم الصريحة المؤيّدة للعيش المشترك والتداول في السلطة وللسلم الأهلي ومنع الغلبة لفريق على آخر لأنّ لبنان هذا هو وطن الجميع إلاّ أنّه أيضًا رسالة حريّة وتعدّديّة يُعمل كلّ يوم على تقويتها وتثبيتها".

وتابع دكّاش "عُرفتم بأبي الطائف أي بالوثيقة بين اللّبنانيين التي أنهت دهرًا من العنف وإراقة الدماء بحيث وإن تمّ الإصلاح على الورق على الأقل، فإنّ ما كانت ترجوه هذه الوثيقة هو أن يصبح اللّبنانيّون قيّمين على أنفسهم لإعادة بناء وطنهم. قال بعضُ الصحافيين أنّ رغبتكم في الامتناع عن المشاركة في الانتخابات النيابيّة الأخيرة هو انسحاب من السياسة، وربّما هو انسحاب من صيغة معيّنة للسياسة تعمل على جعل المواطنين رهائن بدل أن يكونوا أحرارًا في مواقفهم وأقوالهم ضمن حدود القوانين ومرجعيّة القِيَم والمبادئ. الواقع دولة الرئيس، إنّ انسحابكم من السياسة هو عمل وموقف وطنيّ جيّد يعلي من شأنكم أمام المواطنين وخصوصًا الشباب منهم لأنّه دفعكم إلى تأكيد أن تكونوا متضامنين وموجودين بقوّة في قلب الوطن والمواطن".

وختم رئيس الجامعة: "دولة الرئيس، نصغي إلى كلامكم وذكرياتكم ففيها الكثير من الأمثولات والمحبّة".

من جهته استهل الرئيس حسين الحسيني مداخلته بشرح تاريخي للمسار الديموقراطي والانتخابي في لبنان، وقال: "يهمنى بدايةً أن أقول من نحن. لبنان له شرعية دستورية. نشأ هكذا. ليس مجلس النواب اللبناني هو من أعلن الدستور بل أخذ برأي الشخصيات اللبنانية بهدف وضع الدستور، الذي أعلن باسم جمعية الأمم. لبنان استطاع ان يحقق مطلب اللبنانيين بالحرية بعد أحدات 1840-1860،  فكان بلد الملجأ لكل طلاب الحرية. من هنا يختلف عن غيره من حيث تكوين شعبه المتنوع الإنتماءات الطائفية والمذهبية. اصبح للبنان اذا ثروتان: الحرية والإنسان الذي يعيش في كنفها.  منذ سنة 1864 تعرفنا على الحياة الإنتخابية بداية في دير القمر عبر مبادرة أهلية لانتخاب بلدية، ثم انتخب أعضاء مجلس الإدارة الذين يعاونون المتصرف. في المقابل لم يبدأ نظام التمثيل في السلطنة الا سنة 1877 وبالتعيين".

وعن أسباب الحرب الأهليّة اللبنانية قال: "الحرب التي شُنّت علينا عنوانها قبرصة لبنان، على اعتبار أن في قبرص شعبين وتاريخين وتراثين لا يجمعهما الا الأرض. خلال ستة أشهر من القتال حصل انقسام وما زال مستمرًا. لذلك اتّخذت منه إسرائيل نموذجًا لتفتيت لبنان توصلاً لتفتيت المنطقة، وهذا ما لم ينجح في لبنان لأن اللبنانيين شعب واحد. كما أن مجلس النواب استطاع الحفاظ خلال الحرب على الشرعية الدستوريّة".

كما شرح الحسيني بإسهاب المحطات التي أوصلت إلى وثيقة الوفاق الوطني سنة 1990: "الطائف أتى نتيجة للحرب التي نشبت سنة 1975. لكن بالموازاة استمرّ الحوار بين اللبنانيين، بداية بمبادرة من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أصدر ورقة عمل باسم الطائفة الشيعيّة حول كيان لبنان ووحدة شعبة وأرضه وهويته، والتي اعتبرتها الورقة من الأمور غير المتّفق عليها وكان من نتائجها تعليق البحث بالهوية العربية سنة 1943 عبر اعتبار لبنان "ذو وجه عربي"، ريثما يتمّ الإتفاق على الهويّة الوطنية. هاتان الثغرتان ولّدتا ثغرة ثالثة: الإبهام حول نظام الحكم في لبنان".

وتابع: "المثل الثاني عن استمرار الحوار بالموازاة مع الحرب كان بُعيد حرب الجبل إذ اجتمع المسلمون سُنّة وشيعة ودروز وأصدروا وثيقة "ثوابت الموقف الإسلامي" التي تنصّ على أن لبنان سيّد وحرّ ومستقلّ لكلّ أهله على كامل أرضه وهو عربي الهويّة والإنتماء ونظام الحكم فيه ديمقراطي برلماني يحترم الحريّات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد".

"المحطة الثالثة، يتابع الحسيني، أتت بعد انتخابي رئيسًا لمجلس النواب إذ عملت على وضع ورقة أسميتها "مبادئ الوفاق الوطني" وأنجزناها بإجماع المجلس النيابي في 10 آذار 1985. لكن في 12 آذار حصلت الانتفاضة بوجه الرئيس أمين الجميّل التي منعتنا من إعلان الورقة من مجلس النواب، لكن صودف لحظّنا أن تتمّ دعوتنا من قبل الفاتيكان لزيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، فأتت الزيارة في 29 آذار. ترجمنا الوفاق بين النواب اللبنانيين بمذكرة رفعناها الى قداسة البابا التي أيّدها وتمت ترجمتها الى 33 لغة وتوزيعها على الكنائس الكاثوليكية في العالم باعتبارها رؤية لحل الأزمة اللبنانيّة. صودف أيضًا في سنة 1987 قيام اتفاق روسي أميركي بوقف الحرب الباردة وبحلّ النزاعات الإقليمية بالوسائل السلميّة، فكان هذا عاملاً مفيدًا شجّعنا على المضي في تقديم رؤيتنا لحل الأزمة اللبنانية كحل لأزمة المنطقة. يرتكز هذا الحل على ثلاث قواعد: أولاً تحرير الأرض بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة حتى الحدود المتعرف بها دوليًا، وبالتالي بسط سلطة الدولة على الجنوب وتنفيذ اتفاقية الهدنة التي تبسط الأمن على جانبي الحدود. ثانيًا ترسيخ العلاقات اللبنانية السورية الفلسطينية على قواعد ثابتة وراسخة في إطار سيادة واستقلال كل من لبنان وسوريا والإلتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، ثالثًا ترسيخ النظام الديموقراطي البرلماني القائم على احترام الحريّات العامة وعلى المساوات في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين".

نتيجة لكل هذا المسار اعتبر الحسيني "أن اتّفاق الطائف صُنِع في لبنان وليس في السعودية. في الطائف توفَّر الإجماع العربي والدولي، إذ فور الإعلان عنه وقبل إقراره دستوريًا، التزمت به جامعة الدول العربية والمجموعة الأوريبية والمجموعة الأفريقية ومجلس الأمن بالإجماع. لكن للأسف اجتياح العراق للكويت سنة 1990 غيّر المعادلة، عوض أن يكون حلّ أزمة لبنان هو المدخل لحل أزمة المنطقة، أصبح انهاء الحرب اللبنانية جزءًا من الحل لكلّ مشاكل الشرق الأوسط.  لذلك أصبح الفراغ هو سيّد الموقف وما زال حتى الآن".

كما أجاب الحسيني خلال اللقاء على أسئلة الحضور التي تمحورت بمعظمها حول اتّفاق الطائف ومداولاته، التي "ستبقى سرّيّة بطلب من المشاركين في اجتماعات الطائف، حسب الحسيني، الى أن يقرروا هم عكس ذلك".