احتفلت جامعة القدّيس يوسف في بيروت بعيد شفيعها مساء الثلاثاء في 19 آذار 2019 في مدرّج جان دوكروييه اليسوعيّ، حرم العلوم والتكنولوجيا (الدكوانة-مار روكز)، بحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثاء، وسياسيين، نواب وسفراء ورؤساء جامعات، وعسكريين وديبلوماسيين وحشد من الأكاديميّين والتربويّين إلى جانب أسرة الجامعة من أساتذة وموظفين وطلاّب.
بدأ الاحتفال بقداس ترأسّه رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش وعاونه فيه الرئيس الإقليميّ للرهبنة اليسوعيّة الأب داني يونس اليسوعيّ ونائب رئيس الجامعة البروفسور ميشال شوير اليسوعيّ ولفيف من الأساقفة والآباء، خدمته جوقة جامعة القدّيس يوسف.
بعد القداس توجّه الحضور إلى قاعة مسرح الأب جان دوكروييه اليسوعيّ حيث ألقى رئيس الجامعة خطابه السنويّ وحمل هذه السنة عنوان «مع اقتراب إحياء الذكرى المئويّة الأولى لإعلان ولادة دولة لبنان الكبير (1920-2020): الجامعة ووظائفها في زمن الأزمات»، تحدّث فيه عن رمزية العيد، ورمزية شفاعة القدّيس يوسف، وعن دور الآباء المؤسّسين والآباء الذين أعادوا التأسيس. وتوقف رئيس الجامعة على التهديدات الثلاثة التي تواجه لبنان عشية الاحتفال بمئوية ولادة لبنان الكبير، وهي:
"1) التهديد الأكاديميّ بسبب انحدار نظامنا الجامعيّ إلى الهاوية؛
2) والتهديد الثقافيّ بسبب الأزمة الأخلاقيّة والروحيّة التي يمكن تلخيصها بكلمة الفساد المعمّم، تلك الآفة التي تصيب الجمهوريّة ومواطنيها؛
3) والتهديد الذي يطال الهويّة اللّبنانيّة بسبب فقدان معالمها. لذلك من الضروريّ أن تجدّد الجامعة تفكيرها في مسألة العيش معًا، وهو أساس نظامنا الاجتماعيّ السياسيّ وأساس هوية الصيغة اللّبنانيّة. إذا كنّا نتحدّث عن أزمة نظام في الحالات الثلاث التي ذكرناها، فذلك لأنّ الأزمة تثير التوتّر، وحالة من الخلل الخطير أو التفسّخ المثير للقلق في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. أثارت هذه الأزمة وتثير تمزّقًا في المستويات التي تحدّثنا عنها وتسبّبت باضطراب في العقول وفي مختلف أوساط المجتمع اللّبنانيّ".
وبعدها انتقل إلى وظائف الجامعة وعدّدها:
أ) الوظيفة الأولى، نقد النظام الجامعيّ اللّبنانيّ الحاليّ: أشار دكّاش إلى أن التعليم اليوم أصبح رهينة المصالح التجاريّة والطائفيّة وسأل عن سبب الانهيار، وتوقف على "غياب التشريعات التي من شأنها صياغة شروط محدّدة لقبول المرشّحين وفرض ممارسة ضمان الجودة التي تتطلّب من أيّ جامعة الامتثال لعمليّات الاعتماد المُعتَرَف بها على المستوى الدوليّ"، وذكّر بالتشريعات والقوانين الصادرة "لكن مشروع القانون حول الالتزام بضمان الجودة الذي صاغته وزارة التربية والتعليم العالي في العام 2012 لا يزال يخضع للّجان البرلمانيّة لمناقشته ودراسته ويقال أنه وصل الى أبواب الهيئة العامة".
وذكّر بموقف جامعة القدّيس يوسف من الاختلال الوظيفي في دور الجامعات وكان الردّ "تعليق مشاركتنا في رابطة جامعات لبنان التي كنّا من بين المشاركين في تأسيسها. تمّ اتّخاذ هذا القرار بالاتّفاق التامّ مع الجامعة الأميركيّة في بيروت لأنّه لم يعد من الممكن تغطية الانتهاكات الجسيمة وجامعتنا لا يمكنها أن تعترض إلا بسعيها أكثر فأكثر نحو تحقيق التميّز، ما يشكّل ثابتة من ثوابت الجامعة. هذا التميّز هو بالتحديد ما تدعو إليه "رؤية" جامعة القدّيس يوسف في السنوات المقبلة حتّى العام 2025 ويتمّ تنفيذها على جميع مستويات الجامعة.
ب) مسألة الفساد المعمَّم
في موضوع الفساد قال رئيس الجامعة ".و من واجب الجامعة أن تشير إلى سبب رئيسيّ لهذه المشكلة المزمنة. نحن جميعًا على دراية بهذا: لن تتحقّق وعود خطّة "سيدر" CEDRE إذا لم يتمّ اقتراح خطّة لإصلاح الحكم الإداريّ بالإضافة إلى وضع خطّة لمكافحة الفساد. كيف نتصرّف لإنجاح خطّة مكافحة الفساد؟ هل يكفي القضاء على الرشاوى الصغيرة هنا وهناك وبالتالي معاقبة المسؤولين عن هذه الأعمال لصالح الفساد الصغير الذي يجب مواجهته؟ وماذا عن الفساد الكبير؟ نعرف صراحةً أن نظامنا السياسيّ قائم على التقاسم الطائفيّ.
واعتبر أنه سيتعيّن على السياسيين الابتعاد عن استخدام الإدارة العامّة لمصالحهم، بل يتوجّب عليهم أن يكونوا في خدمة الصالح العامّ، فأيّ تماهٍ بين السياسة والخدمة العامّة يؤدّي إلى جعل هذه الخدمة أداة بيد السياسيّين ومصالحهم. أذكّر بشعار المعهد الوطنيّ للإدارة العامّة في فرنسا الموجّه إلى الموظّفين المسؤولين: "كونوا في خدمة الدولة ولا تكونوا في خدمة السلطة السياسيّة". هذا يعني أنّ مكافحة الفساد، إذا كانت جدّية، تفترض اتّخاذ ثلاثة تدابير، أوّلها امتناع السياسيين عن تعيين المحاسيب في الإدارة العامّة، ثانيًا تعيين لجنة من القضاة وكبار الإدرايين المعروفين بأخلاقهم وكفاءتهم للبدء بملاحقة الفاسدين، وثالثًا تعيين لجنة ثانية تقترح تحديثًا لتشريعاتنا من أجل مكافحة الفساد وحظر أيّ صلة بين السياسة والأعمال والاتفاقات مثل تلك التي تتمّ بالتراضي على مستوى الوزارات.
ج) العيش معًا على خطى سمير فرنجيّة وسليم عبو
استعاد دكّاش عمل رئيس الجامعة السابق البروفسور سليم عبو وسمير فرنجيّة وهدفه إعادة تأهيل السياسة في لبنان ودعم وتعزيز العيش اللبناني، وأشار إلى أن هذا الاهتمام يرتبط بعمل سمير فرنجيّة وعبو لأنّ هدفهما هو جعل التنوّع الدينيّ ورقة رابحة من أجل بناء الدولة والتوصّل إلى الاستقرار من خلال نظام قويّ ومتين قائم على الإجماع والعيش معًا وعلى إرساء أحقيّة الدولة، وبتجاوزً الأيديولوجيّات المتمحورة حول الهويّات
وختم دكّاش خطابه باستذكار ما قاله "رئيسنا الراحل جان دوكروييه بصوت عالٍ أنّ على الجامعة "في جميع الظروف، أن "تسير" مع المدينة، لأنّها جزء منها ولأنّها يجب أن تتحمّل بعض المسؤوليّة تجاه المجتمع وطلاّبها والمهن التي تعدّهم لها". لا يسعنا إلاّ أن نسلك المسار الذي رسمه أسلافنا. صديق للأب دوكروييه Ducruet ، وهو أحد القضاة اللّبنانيّين البارزين، من قدامى كليّة الحقوق، وقد غادرنا منذ فترة قصيرة، الوزير السابق الراحل سليم الجاهل، كتب في الذكرى المئويّة لكليّة الحقوق اليسوعيّة: "المساهمة الكبيرة والأساسيّة التي قدّمتها جامعة القدّيس يوسف في بيروت هي أنّها نجحت في نشر ثقافة دولة القانون في بلادنا". على مشارف الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لإنشاء لبنان الكبير، كم نحتاج، كجامعة القدّيس يوسف في بيروت، وأيضًا كتعليم عالٍ لبنانيّ يدرك ويعي مهمّته، إلى تحويل هذه الحقيقة التاريخيّة إلى مشروع مستمرّ في حياتنا اليوميّة ومستقبلنا. كم هو ضروريّ تأوين ثقافة دولة القانون هذه والعمل عليها في الأحرام الجامعيّة وفي جميع الأماكن اللبنانية العامّة التي أصبحت قليلة، بحيث يسود القانون، قانون الجمهورية اللّبنانيّة، على كلّ المحاولات لإقامة حقوق خاصّة تسبّب الصراعات والانقسامات. بهذه الروح، روح العيش المشترك في الاحترام المتبادل، والمساواة، ودولة القانون ندخل معًا في السنة المئويّة الكبرى لولادة لبنان الكبير من أجل أن نقول كلمتنا الصحيحة والحاسمة. دعونا جميعًا نتمنّى أن تتمّ الاحتفالات المختلفة في جامعة القديّس يوسف وفي لبنان والتي ستقام خلال عام اليوبيل، بروحية الإيمان ببلدنا وقيمه، فتؤتي ثمارها الجيّدة من تلك الشجرة الجميلة، تلك الأرزة التي تبلغ من العمر أكثر من قرن، لبنان الحريّات والديمقراطيّة، والعدالة، والمساواة، والعيش المشترك، والحكمة الألفيّة، والمقاومة والمحبّة".