دعوة إلى التمييز والتوافر

رسالة الأب داني يونس الرئيس الإقليميّ للرهبانية اليسوعيّة في الشرق الأدنى والمغرب العربيّ إلى اليسوعيّين في لبنان وإلى "شركائنا" في الرسالة
الخميس 24 تشرين الاول 2019
Organisateurs


الرفاق الأحبّاء،

إنّ الانتفاضة الشعبيّة الّتي تهزّ المجتمع اللبنانيّ بشكل غير مسبوق تعبّر في آنٍ واحد عن عمق المعاناة الّتي تمسّ شعبنا وعن رغبته في بناء لبنان جديد، مئة سنة بعد إعلان دولة لبنان الكبير. كثيرون هم اليسوعيّون الّذين نزلوا إلى ساحات الاعتصام، أكانوا مواطنين لبنانيّين أم غير لبنانيّين، يضمّون أصواتهم إلى صوت الصارخين من أجل بناء دولة تسودها قيم عُليا لا بالقول فحسب بل بالعمل أيضًا. وأكثر منهم الشبّان والشابّات، والنساء والرجال الّذين يشاركوننا رسالاتنا، ويشعرون في قرارة النفس أنّ ما يحرّك شعبنا اليوم قادر على تغيير العقليّات والهيكليّات إلى ما فيه حياة أوفر وعدالة أكثر. وقد نُصبَت خيمة في ساحة الشهداء تجمع بعض اليسوعيّين مع بعض المدرّسين في جامعة القدّيس يوسف، دلالة على رغبتنا في مواكبة روح التغيير، بادئين بتغيير أنفسنا وملتزمين العمل على تغيير هيكليّات الظلم والفساد حيثما أظهرت ثمارها المرّة. وتلقّينا من جانب مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان اليوم، من خلال بيان بكركي، تشجيعًا قويًّا للمضيّ قدمًا في هذا الاتّجاه.

كسرت حركة الشعب حواجز الخوف والانقسام بين اللبنانيّين وكأنّها علّقَت إلى حين النزعات الطائفيّة والإقطاعيّة والتحزّبيّة الّتي لطالما سادت ممارسة السياسة في هذا البلد. وأظهرت تضامنًا شعبيًّا لا يقوم على انتماءات مُسبقة بل على الرغبة في الكرامة لكلّ المواطنين. هذا التضامن قيمة عليا وهشّة في الآن عينه وإن لم يثبت لن يلبث الحراك الشعبيّ أن يذوب في الصراعات القديمة.

بالنسبة إلينا، هذه اللحظة الحبلى بالإمكانيّات هي زمن حاسم، زمن تمييز روحيّ. فمنها قد تنشأ مواقف بنّاءة تحافظ على روح الحراك السلميّ والتضامن الشعبيّ ومنها قد تنشأ مواقف لا تتوافق معه وتقود إلى استخدام الناس لمآرب لا تخدمهم. لا شكّ في أنّ لكلّ منّا قراءة خاصّة لما يحدث، ولكنّنا جميعًا مدعوّون إلى تبنّي مواقف بنّاءة، تستلهم بيان بكركي وتسعى إلى تمييز روحيّ أصيل متأصّل في الصلاة ومنفتح على الجديد الّذي ينشأ في وسطنا.

لهذا أدعو الرفاق جميعًا، كلاًّ بحسب شعوره الروحيّ وظروفه الواقعيّة، إلى التفكير جدّيًّا في كيفيّة وضع إمكانيّات الرهبنة وشبكاتها ومؤسّساتها في جهوزيّة أصيلة للتعلّم من هذا الحراك وللمشاركة فيه ولمؤازرته لكي يبقى أمينًا لروحه ويحقّق دعوته.

وما نطلبه في الصلاة، لأجلنا ولأجل مواطني هذا البلد والمقيمين فيه، أن نكون على مستوى اللحظة الحاضرة، مُصغين بأمانة إلى عمل الله في تاريخنا.

مع مودّتي الأخويّة،

الأب داني يونس اليسوعيّ

الرئيس الإقليميّ