الأزمة، لحظة تضامن

كلمة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ لمجلة الجامعة الرقميّة في عددها (رقم 12) الخاصّ عن كورونا (أيّار)2020
الأول من حزيران 2020

الأزمة، لحظة تضامن

اندلعت أزمة فيروس الكورونا الحاليّة مثل البرق في سماء زرقاء صافية. حياتنا الطبيعيّة هي التي توقّفت بشكلٍ مفاجئ، مقترنة بأزمة إجتماعيّة وماليّة ترزح بلادنا تحت وطأتها ؛ الجوّ العامّ لا ينعم بالهدوء. يُثير مرض فيروس الكورونا الخوف، والقلق والتعب. يتحوّل الوضع الاقتصاديّ الصعب نحو المزيد من الفقر المدقع الذي يعاني منه السكّان.      

في هذه المعركة ضدّ المرض وتبعاته، لم تستسلم جامعة القدّيس يوسف. أنا  أشهد على ذلك. يبدو أنّ لبنان حين يعيش مواقف مثل تلك التي يعيشها اليوم، وحده التضامن الاجتماعيّ بين الجميع يشعّ فيه بهاءً ساطعًا نابعًا من موقف روحيّ رائع من أجل مواجهة الفاجعة والانهيار. كان مستشفانا، مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" Hôtel-Dieu de France ، في طليعة مكافحة جائحة الوباء ؛ ما حقّقه لم يكن مجرّد إنجاز طبّي بل تعهّد بالتضامن مع المريض.

التضامن في العمل الذي يقوم به مئات الأشخاص، إمّا عن طريق الاختيار أو عن طريق الواجب المهنيّ لهو أمثولة للحاضر والمستقبل، لأنّ التضامن الحقيقيّ مجّانيّ مثل المحبّة التي لا تسعى إلى المجد ولا العظمة ولا المكافأة، ولا السلطة ؛ ليس لديها دوافع خفيّة، ولا حسابات بائسة. إنّها أمثولة كبيرة لأولئك الذين هم في جهوزيّة من أجل تقديم الخدمة إلى الجمهوريّة والذين هم على رأس مؤسّسات الخدمة الوطنيّة مثل التعليم والصحّة أو غيرها من المهامّ.

التقدير اليوم هو في محلّه ؛ يبدو أنّ الموقف الروحيّ لا يمكن أن يقترن إلا بالشكر والتقدير. كيف لا نوجّه هذا التقدير إلى العديد من المدرّسين الذين قاموا بتأمين المقرّرات عبر الإنترنت بكفاءة وحضور بحيث استمرّ الطلّاب في تلقّي المعرفة. كيف لا نوجّه مشاعر التقدير هذه إلى الطلّاب الذين استجابوا  من أجل إنقاذ فصل دراسيّ وربّما فصل دراسيّ آخر قادم!  هؤلاء الطلاب أنفسهم، بعضهم يتفانى مع بعض الموظّفين الإداريين من أجل تأمين صناديق تختزن المؤن والطعام إلى 2000 عائلة تمّت مساعدتها ومرافقتها بصمت أولئك الذين يحبّون من دون مقابل.

اتّخذ هذا التضامن شكلاً آخر من خلال الجهد الحقيقيّ في التواصل، سواء بطريقة مؤسّساتيّة مثل دائرة المنشورات والاتّصالات   SPCOM  أو بطريقة غير شكليّة أو من خلال مناوبات أخرى في جامعة القدّيس يوسف متواجدة دائمًا هنا من أجل التواصل، أي من أجل تحويل المسافة الجسديّة إلى تقارب إجتماعيّ يوميّ. الحضور للآخر، والإصغاء إليه، ومشاركته همومه هي أمور تنقل رسالة من المحبّة والرجاء وإن كانت موجزة.

يمتدّ هذا التضامن الاجتماعيّ ليكرّر ويؤكّد أنّ لطالب جامعة القدّيس يوسف الحقّ في مواصلة دراسته وعدم تركه على الهامش. وبالتالي، يتمّ توجيه بادرة تقدير للمتبرّعين في جامعتنا، لهؤلاء القدامى والأصدقاء الذين يساعدوننا حتّى تستمرّ جامعة القدّيس يوسف في كونها مشروعًا وطنيًا للتعليم والتميّز.

سُئلتُ مرارًا وتكرارًا : هل أنت متفائل بأنّ لبنان هذا سيتمكّن من الخروج من المحنة ؟ إنّها الإجابة نفسها التي كان يقدّمها من عايشوا قبلنا الحرب التي استمرّت أكثر من خمسة عشر عامًا : طالما هناك تضامن إجتماعيّ بين اللّبنانيّين، فإنّ روح الثقة والأمل موجودة هنا وفاعلة. دعونا نجرؤ على مواصلة هذه المسيرة التي تؤدّي بنا إلى الفوز.