الترجمة الظلّ: بين صنيعة الكاتب وصُنعة المُترجم

5 mai 2020

زميلي المترجم...أمامك نصٌّ أدبيٌّ طلبوا منكَ ترجمته. أنت الذي درستَ الترجمة خمسَ سنواتٍ طوالٍ لا زلتَ تشعرُ بوهرةِ النصِّ في كُلِّ مرةٍ تُعيَّنُ رسولًا في فعلِ الترجمة المهيب. تتناول كوبًا من القهوة المُركّزة وتجالسُ النصَّ وجهًا لوجه، لغَةً للغة. في أفضل السيناريوهات، ستقوم ببعض القراءات والاستقراءات حول خلفيّة الكاتب عند كتابة النص قيد الترجمة لتفكيك شيفراته، ستظللُ كلّ كلمةٍ بفيئها الذي يملأ مكانها في وحدة المعنى، ستقتفي آثارَ الكاتب في كُلِّ فراغٍ بين الكلمة والأخرى كي تفهم ما كُتِبَ مما لم يُكتب، ستحاولُ جاهِدًا التسلل إلى دهاليز ذهن الكاتب، تتخبّط بين مقصودٍ لم يُكتب ومكتوب لم يُقصَد، تنتقي المفردات انتقاء حبّاتِ الزمرُّدِ التي لا تغدو كونها حجرًا إن لم تستحلْ عِقدًا قلادته السياقُ المتّسقُ المتجانسُ.


أراكَ قد أمسكتَ بروح النصِّ الأساسيّ، كالزئبقِ تنزلقُ بين أناملك البليغة، وقد أنجزتَ نصًّا يُظلل النصّ الأول فيغدو له امتدادًا ينقلُهُ شكلًا من حيزِ الشمسِ الوضّاحِ نورها الذي تبان فيه التفاصيل والألوان، إلى حيزِ انكسارِ الضوء حيثُ تُصبحُ رؤيةِ التفاصيل والألوان مناطةً بعين القارئ، أمّا الشكلُ فلا ريبَ في تمامِ نقلهِ. تنتهي من مراجعةِ النصِّ بضعَ مرّاتٍ، تُفكرُ في لائحة الأمور التي يتوجّبُ عليكَ إنجازها قبل المساء، ثمَّ تنفضُ عنكَ آخرَ آثارِ الكاتب ونصِّهِ وتُغلِقُ الحاسوبَ كأنَّ شيئا لم يكن. لا ظلَّ في الغرفةِ غير ظلّكَ أنت الذي نقلتَ للتوِّ نصًّا من حيزِ أحاديّة اللغة الباهت إلى الثنائية الزاهيةِ، من إمكانية التأويل الواحد إلى التعدّدية التي حسُنَت مآلًا، أنتَ الذي إن ظلّلتَ نصًّا بآخر لم تغدُ في خلال ذلكَ ظلًّا لأحد، تِقابلُ النصَّ بالنصِّ، تؤقلِمُ النصوص وتتأقلمُ معها عند ترجمتها، وحينما تفرغُ من ذلكَ تغلقُ الستارة وتغسِلُ يديك من رواسبِ فكرِ الكاتب. الآن غدا نصُّكَ النور والقارئُ ظلُّكَ ما قرأَ ترجمَتَك، يتبعُكَ ويتتبَّعُكَ بين السطر والآخر، يفرغُ منها فيُضيعكَ كما أضعتَ الكاتب، وينساكَ كما نسيتَ الكاتب إلاّ أنكَ في الحالتين لم تُرَ ولمْ تُدرَك حتّى خالوكَ ظِلًّا....
 

Fatima Jaber

M4 - Interprétation