نوعية الهواء في بيروت بعد الانفجار: تقييم للوضع وتوصيات للمواطنين

الجمعة 7 آب 2020
Organisateurs

Collaborateurs


إن الكارثة التي وقعت في 4 آب 2020 في مرفأ بيروت تذكرنا للأسف بالتقصير الذي نواجهه  في بلدنا على كل المستويات، الأخلاقيّة والاقتصاديّة والصحيّة والبيئيّة، إلخ.

هذا الانفجار، الذي وقع على الأرجح بسبب كمية هائلة من نترات الأمونيوم (2750 طنًا بحسب السلطات) انبعثت منه بسرعة عالية جدًا سحابة عمودية من الملوّثات السامة، ولكن أيضًا موجة أفقية أقرب إلى سطح الأرض وفي كلّ الاتجاهات. إن الكميات المنبعثة كبيرة، ما منح السحابة لونها البرتقالي الأحمر بسبب وجود ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) الناتج عن هذا التفاعل العنيف.

ونظرًا الى الظروف الجويّة، وخصوصًا اتّجاه الرياح الذي يسود عادة في المساء وحتى طوال الليل في هذا الجزء من العاصمة، على النحو الذي حدّدته الدراسات السابقة لفريق "الانبعاثات والقياسات والنمذجة الجوية" (EMMA) التابع لكليّة العُلوم في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، والذي أكّدته المراقبة المرئية مساء المأساة وقياسات اتّجاه الريح المأخوذة في ضواحي العاصمة، حملت الرياح الجزء السفلي من السحابة بإتجاه البحر وشتتت الملوّثات بشكل فعال، مما أفقدها قسم مهم من تركيزها وكذلك تأثيرها الصحي الكبير. ومع ذلك، من المرجح أن يسافر الجزء الأعلى من السحابة بعيدًا بما يكفي للوصول إلى البلدان المجاورة.

 تُظهر النمذجة الأولية لمسار هذا الجزء المرتفع من السحابة أنها قد تصل إلى الدول العربية مثل سوريا والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية (انظر الخريطة). ولا يزال يتعيّن تأكيد ذلك من خلال التدابير وا التحاليل  الدقيقة والموجهة التي على البلدان المختلفة تنفيذها بما أن التأثير يعتمد على العديد من العوامل.

أما بالنسبة الى الملوّثات التي انبعثت بالقرب من السطح، وخصوصًا الجسيمات العالقة، فقد كان تأثيرها في الساعات الأولى كبيرًا وبتركيزات عالية يمكن حتى ملاحظتها واكتشافها بالعين المجردة. ثم انخفضت التركيزات بسرعة كبيرة ولكنها وصلت إلى كيلومترات عدة دائريًا حول المرفأ. هذه الجزئيات، أو الغبار، قد استقرت في شوارعنا وعلى نوافذنا المكسورة وعلى شرفاتنا وربما داخل منازلنا.

إن الخطر الحقيقي الآن هو إعادة تطاير هذا الغبار، الذي  امتزج بعد الانفجار مع الزجاج المكسور أو حتى جسيمات الزجاج المكسور الدقيقة، في الهواء وإعادة تنفسه مرة أخرى. التنبيه حقيقي، ولكن يمكن تقليل خطورة الوضع من خلال التدابير البسيطة المذكورة أدناه.

يمكن تلخيص الأثر الصحي لثاني أكسيد النيتروجين ونترات الأمونيوم بتهيج الجهاز التنفسي والعينين والجلد عند ملامسة تركيزات عالية منه، وهو خطر يمكن  تجنبه، خصوصًا خلال فترات تنظيف الحطام في الشوارع والمساكن. يمكن أن تحتوي الجسيمات أيضًا على مركبات كيميائية مختلفة نتيجة تناثر بضائع كيميائية أخرى موجودة في  المرفأ  قد تم إطلاقها تباعًا من البضائع الموجودة اثر الإنفجار  والتي قد يكون لها تأثير ضار. لا يمكن تأكيد هذه المعلومات إلاّ بعد الدراسة الميدانية والمزيد من التحاليل المعمقة.

ان تأثير تلوث الهواء الناتج عن هذه المأساة على المستوى الوطني، هو أكبر في أول خمسة كيلومترات إلى عشرة كيلومترات، من موقع الانفجار، ويصبح أقل أهمية بعد هذه المسافة.

على الرغم من أنه، في الوقت الحالي ولحسن الحظ (اتجاه الرياح الملائم)، كان لدينا تركيزات أقلّ من الملوّثات إلاّ أنه يجب تحديد كمية تسمّى  سمّ الجسيمات. بالمقابل لا ينبغي أن يسطر الذعر  من التلوث الجوي على أذهان الناس، لكن من الضروري اتّخاذ الاحتياطات طوال فترة تنظيف الشوارع والمساكن، وحتى الحصول على تأكيد واضح لنقاط عدة، في ما يتعلق بطبيعة المركّبات الكيميائية على الجسيمات العالقة.

في ما يلي بعض التوصيات لأخذ الاحتياطات اللازمة:

بالنسبة الى الأشخاص في المنزل:

- إغلاق النوافذ، وخصوصًا في المناطق التي تتمّ فيها أعمال التنظيف.

- تشغيل المكيفات، وخصوصًا الوحدات المنفصلة الموجودة في غالبية المساكن.

- تنظيف الشرفات برش الماء على الأسطح لمنع إعادة تطاير الجزئيات المترسبة.

- تنظيف الأسطح داخل المساكن بقماشة، خرق رطبة وارتداء قناع أثناء عملية التنظيف لتجنب استنشاق الجسيمات التي قَدِمت من الخارج.

- الخروج في حالات الضرورة القصوى فقط  في المناطق التي يتم فيها التنظيف . الرجاء استخدام طرقات بديلة.

بالنسبة الى تنظيف الحطام في الأحياء والمباني المتضررة:

- ارتداء قناع N95 على الأقل، والقفازات والأحذية المناسبة وكذلك النظارات المغلقة. حطام الزجاج، حتى لو كان صغيرًا جدًا، يمكن أن يسبب مشاكل خطيرة. كما يمكن أن يحتوي حطام المنازل القديمة على ألياف الاسبستوس وهي مادة  مسرطنة  لا  يمكن  تمييزها بالعين المجردة إذ أنها تبدو كسائر الجسيمات العالقة فلا بد من إتباع  التوصيات بدقة.

- رش الماء بكمية كافية على الأسطح المراد تنظيفها لمنع إعادة تطاير تعليق الجزئيات والغبار، وتكرار العملية برش الماء مرارًا نظرًا الى ارتفاع درجة الحرارة في أيام الصيف والتبخّر السريع للمياه.

- تغطية كلّ وسائل نقل الحطام، حتى التي تنقل بواسطة عربة اليد.

- التقليل من تطاير الحطام أثناء التحميل والتفريغ.

السلام لأرواح الضحايا والصلاة من أجل شفاء الجرحى!

الدكتور شربل عفيف

مدير قسم الكيمياء

مدير فريق "الانبعاثات والقياسات والنمذجة الجوية"

كلية العلوم في جامعة القديس يوسف في بيروت