جامعة القدّيس يوسف في بيروت ولبنان الكبير: أيّ مستقبل؟

خطاب رئيس الجامعة لمناسبة عيد القدّيس يوسف في 19 آذار 2020
الاثنين 31 آب 2020
Rectorat
Organisateurs


جامعة القدّيس يوسف في  بيروت ولبنان الكبير: أيّ مستقبل؟

 

في التاسع عشر من آذار 2020 كان من المقرّر  أن يلقي رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ  خطابه السنوي لمناسبة عيد القدّيس يوسف شفيع الجامعة، وحمل عنوان: جامعة القدّيس يوسف في  بيروت ولبنان الكبير: أيّ مستقبل؟

بسبب جائحة كوفيد 19 وإجراءات الحجر، أُلغي الاحتفال، ولم يلقِ الخطاب.

اليوم، عشية الأول من أيلول 2020، الذكرى المئوية الأولى للاحتفال بولادة لبنان الكبير، ننشر الخطاب كاملاً، كوثيقة تشهد على تاريخ جامعتنا، على تاريخ لبنان، خصوصًا ان الخطاب ما يزال يتمتّع بآنية "موجعة" لجهة عدم تغيّر أحوال البلاد والتعاطي مع المشكلات الكبرى فيها، إضافة إلى تطرّقه إلى موضوعات حساسة وأساسيّة في الحياة الوطنيّة اللبنانيّة كالطائفيّة والأزمة الأخلاقيّة السياسيّة والفكريّة الحالية وما غيّرته ثورة 17 تشرين، وبالطبع دور الجامعة في كل ذلك، وخاتمةً ضمنّها حلولاً عملية للأزمة الحالية.

هنا مقتطفات لأبرز ما جاء في خطاب رئيس الجامعة الذي تضمّن ثلاثة محاور رئيسيّة هي:

  • لبنان الكبير : وعدٌ بالمستقبل (المؤرّخون اليسوعيّون وآثار لبنان الكبير: مارتين Martin ولامنس Lammens؛ دعوة لوسيان كاتين Lucien Cattin؛ ملاحظة من لويس شيخو؛ "محبّة الوطن" لسيادة المطران المونسينيور الحويّك؛ التنديد بنمط العيش ومتغيّراته...)
  • الإدانات الثلاث الحاسمة التي جلبتها ثورة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) (التنديد بعدم أخلاقيّات السلوك السياسيّ أو الأزمة الأخلاقيّة؛ التنديد بالطائفيّة أو إعادة النظر في الانكفاء على الهويّة، واختفاء المساحة العامّة).
  • إستجابة الجامعة (نداء 27 تشرين الأوّل (أكتوبر) : أبعاد الإعلان المشترك بين الجامعة الأميركيّة في بيروت وجامعة القدّيس يوسف؛ نداء إلى يقظة الفكر اللّبنانيّ؛ دعوة إلى يقظة الهويّة اللّبنانيّة؛ الخاتمة: من الكتاب الأسود إلى الكتاب الأبيض).

استهّل رئيس الجامعة خطابه مستشهدًا بكلام للبابا فرنسيس داعيًا إلى التمسك بالحلم والأمل: ""فالحلم هو المكان المثاليّ للبحث عن الحقيقة، ففي أحلامنا نحن لا ندافع عن أنفسنا. الله يكلّمنا في أحلامنا". ويُنهي البابا تأمّله موجّهًا كلامه إلينا: "لا تفقدوا القدرة على الحلم بالمستقبل، وبعائلتنا، وأولادنا، وأهلنا. وأنتم أيضًا أيّها الكهنة، لا تفقدوا هذه القدرة، واحلموا بالمؤمنين في رعاياكم، وبما نبغيه لهم. الحلم هو أن نفتح أبوابًا ونبقى مثمرين للمستقبل".

 

لبنان الكبير : وعدٌ بالمستقبل

"ولكن ها هو لبنان هذا الذي أراده أسلافنا كبيرًا، وكبيرًا جدًّا، والذين حافظوا عليه في قلبهم وروحهم، يرزح تحت وطأة أزمة سياسيّة، واقتصاديّة، وماليّة، واجتماعيّة ولا سيّما أخلاقيّة تكاد تكون مميتة. ومع ذلك، في آخر ثلاث خُطب ألقيتها من هذه المنصّة، حذّرتُ مرارًا وتكرارًا من الإعصار الوشيك الذي يضرب البلاد اليوم. لقد دعونا بإصرار إلى مواطنة متساوية بدلًا من طائفيّة متحزّبة وممارسة الزبائنيّة في الحياة السياسيّة التي تُثير النزاعات بكافّة أنواعها وتؤجّجها وتفكّك مكوّنات الدولة اللبنانيّة. لقد طالبنا بالخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تؤدّي إلى بطالة تطال شبابنا وخاصّةً خرّيجي جامعاتنا، وتدفعهم إلى الهجرة خارج بلدهم.  

لقد قمنا بإدانة الفساد ذات النطاق الواسع والناجم عن الزبائنيّة، والذي يهدّد أسس التعليم العالي، بينما نسعى إلى تحقيق دعوتنا الجامعيّة كمهمّة في خدمة تميّز الوطن. اليوم، من المحزن أن نتبيّن أنّ توقّعاتنا المشؤومة كانت للأسف قائمة. ولكن، بالنسبة إلينا، لا مجال أن نستسلم اليوم. لبنان هذا، ساهمت جامعتنا في نشأته ونموّه. نحن لا نزال مخلصين لالتزامنا وسنظلّ فاعلين في مجال التنمية. كجامعة، سنواصل مسؤوليّاتنا بلا كلل في ما يتعلّق بمستقبلها".

توقف دكّاش على دور الآباء اليسوعيين التاريخيّ في بناء لبنان ونموّه لا سيّما الآباء لامنس ومارتين وشيخو وكاتين، وما قاموا به من دور تربوي ووطني قبل أن يتطرّق إلى الدور الكبير والأساسيّ للبطريرك الياس الحويك الذي "أسس الحكم الرشيد، سواء للأفراد أو لقوى السلطة القائمة آنذاك". وبعد أن أورد دكّاش أربع رسائل للبطريرك الحويك قام بالتعليق عليها فقال:

"1 / إنّ رسالة نيافة البطريرك، الأب المؤسّس للبنان، ليست موجَّهة فقط إلى جيل المسؤولين في ثلاثينيّات القرن العشرين. لا يزال خطابه موضوعيًّا للغاية. إنّه يتوجّه أيضًا إلى من يحكموننا اليوم. إنّه يذكّرهم بالقيمة التي لا تُقدَّر بثمن التي تتمتّع بها الموَاطَنة اللبنانيّة المتساوية، الواحدة وغير المجزّأة التي كان يجلّها. لقد ناشدهم بإنهاء كلّ شكل من أشكال الإفلات من العقاب.

2 / أيّ صَمَم يُصيب حكّامنا منذ ثلاثينيّات القرن العشرين وحتّى اليوم؟ أليس التحزّب العشائريّ الطائفيّ والتجاريّ هو شعارهم؟ ألا يزال يسيّر تصرّفاتهم؟ إنّ دعوة البطريرك العظيم واضحة: إذا لم يضع السياسيّون حدًّا لهذا التحزّب للمحسوبيّة، سيكون لبنان في خطر يهدّد وجوده.

3 / في دعوته إلى تغيير المواقف والسلوكيّات، كان البطريرك الحويّك يُعرب عن حقيقة خالدة. اليوم، أكثر من أمس وأكثر من أي وقت مضى، لا يزال هناك وقت للقيام بذلك. لن يفوت الأوان أبدًا للقيام بذلك لأنّ الوقت قد حان للتصرّف بجرأة بغية تحقيق التغيير.

سيّداتي سادتي، أعتذر منكم على إصراري على التكرار بأنّ التغيير لم يعد خيارًا بين خيارات أخرى. لم يعد بإمكاننا تحمّل ترف المماطلة. التغيير موجود، إنّه يفرض نفسه علينا كواجب وضرورة. لقد دخل في كلّ منزل، واستقرّ في ضمائرنا لكي لا يخرج منها أبدًا.

لقد ترك لنا البطريرك الحويّك وصيّة لا تُقدَّر بثمن ونحن مؤتمنون عليها. إنّه يعهد إلينا بمعنى قيم الجمهوريّة العليا التي يتوجّب على الحكّام والمواطنين أن يحترموها ويدرجوها في واقع البحث عن الصالح العامّ المتوجَّب على الجميع. في أسس استدامة الحياة الوطنيّة، يفضّل الحويّك التعليم، وتعزيز العقلانيّة واللّغة العربيّة، وهي لغة وطنيّة لا يمكن للغة أخرى أن تحلّ محلّها مهما كانت قريبة.

أنتم تبحثون عن القيم الأساسيّة ليكون لبنان واقعًا سياسيًّا دائمًا؟ الحويّك يعدّدها على النحو التالي: التعلّق الراسخ بالمصالح والصالح العامّ، وكذلك بالمؤسّسات الاجتماعيّة وباللّغة الوطنيّة، وبشهداء الوطن، والتاريخ المشترك، ووحدة الأرض، وروح الوطن، أو الوحدة السياسيّة للعيش معًا في ظلّ الدستور وحكم  القانون. وهو يقول إنّ حصانة الوطن تتشكّل من خلال السعي إلى تحقيق الصالح العامّ ومصلحة الجميع. لا يمكنكم أبدًا جعل لبنان الكبير واقعًا ملموسًا، إذا كنتم لا تمنحونه الدولة التي يستحقّها والتي يتمثّل سبب وجوده في ضمان قيم جمهوريّتنا".

الإدانات الثلاث الحاسمة التي جلبتها ثورة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر).

عندما تفشل الدولة...

"السؤال المطروح اليوم هو التالي: أين نحن من دولتنا الوطنيّة التي أُعلِنَت في العام 1920، وكذلك من تعاليم أولئك الذين كانت لديهم الإرادة والاقتناع للمطالبة ببناء لبنان الكبير كوعد وكمشروع اجتماعيّ وسياسيّ؟"

طرح السؤال رئيس الجامعة ثم قال" "أظهر مجتمعنا اللّبنانيّ صمودًا مستمرًّا في إخلاصه في حمل رسالة حقيقيّة تتضمّن احترام التعدّديّة، والحرّيات التي تُعتَبَر الاسم الآخر للبنان. لقد أنشأنا أيضًا شبكة كثيفة من معاهد التدريب المهنيّ، وقبل كلّ شيء، المدارس والجامعات التي تمثّل بلدنا ورأسمالنا الذي لا يُقدَّر بثمن. واليوم، أصبحت كلّ هذه الإنجازات في خطر بسبب الليبراليّة والزبائنيّة الوحشيّتين والفاسدتين اللتين تغصّ بهما العديد من مؤسّسات التعليم العالي التي تمنح الشهادات بطريقة لاأخلاقيّة. هذه الدولة التي أُنشِأت بصبر هي اليوم غائبة للأسف".

وأضاف: " عندما تتعثّر الدولة، تصبح السيادة فيها موضع تشكيك[1]، والقرار السياسيّ هو الذي يصبح في حالة متردّية. عندما تذبل السلطة العامّة، فإنّ صاحب السيادة هو الذي لا يعود قادرًا على القيام بالمهمّة الأساسيّة الموكلة إليه ألا وهي الدفاع عن كلّ مواطن والذود عن حقوقه. من دون دولة، لا يعود المواطن ذلك الشخص المستقلّ الذي نبجلّه".

 التنديد بعدم أخلاقيّات السلوك السياسيّ أو الأزمة الأخلاقيّة

عن مصدر هذه الأزمة قال: " أليست ناتجة عن الاستقالات المتعدّدة والتخلّيات المتعاقبة عن نُخب فكريّة وروحيّة تحتاج إليها الديمقراطيّة؟ من خلال عدم قيام هذه النُخب بدورها المواطنيّ كحُماة لمقياس القيم، تتوقّف هذه النُخب عن تحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة بنفسها وتدع المجتمع يُصاب بالضعف والوهن. وبالتالي، ما هو الموقف الأكثر لا أخلاقيّة من موقف الإذعان الإجراميّ للطبقة الحاكمة في مواجهة البطالة الجماعيّة التي تضرب الخرّيجين الشباب المرغمين على مغادرة هذا البلد. هل يعلمون أنّ الآلاف من خرّيجينا الشباب المُجازين يقومون بإعداد ملفّات الهجرة نحو الجامعات الأجنبيّة خارج لبنان؟

التنديد بالطائفيّة أو إعادة النظر في الانكفاء على الهويّة، واختفاء المساحة العامّة

اعتبر دكّاش أن "ثورة 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) هي تنديد بالطائفيّة. تبدأ الطائفيّة دائمًا بالحدَّين المشهورين: "نحن وهم"، وهما جسمان متميّزان ومستقلّان عن بعضهما البعض في التصوّر والممارسة (جورج غورفيتش Georges Gurvitch). يقدّم هذا الثنائيّ المتناقض نفسه كمبدأ للمعرفة، لأنّه وسيلة لمعرفة الآخر على المستوى الفكريّ والإنسانيّ، مع العلم أنّه يوجد دائمًا جدار فاصل بينهما".

وأضاف: "الطائفيّات المختلفة، سواء كانت طائفيّة أو دينيّة، هي أنظمة عاموديّة فكريّة وسلوكيّة. إنّها تهتمّ فقط بالخيرات الدنيويّة وباكتسابها، وليس بالتأمّل الروحيّ أو الاتّحاد مع خالق هذه الخيرات. إذا كان الايمان يلتمس وجود مؤمن بعقيدة ما، فإنّ الروح الطائفيّة، بالمقابل، تلتمس دعم الفرد الذي يخضع لها في سعيه الحصريّ وراء المصالح الماديّة الخاصّة بالجماعة الطائفيّة. هذه الأخيرة قائمة على رمال متحرّكة من القيم والتقاليد والمصالح الخاصّة، وليس على مبادئ ثابتة مثل الإيمان.(...). غاية الدين هي تحقيق الخيرات الروحيّة، والغاية من الطائفيّين هو الحصول على الخيرات الماديّة وجميع مجالات الاقتصاد (الغلب بالعربيّة). بالنسبة إلى ابن خلدون، هذا الغلب هو سمة من سمات روح وسلوك السياسيّين وغير السياسيّين الذين تسيطر عليهم الطائفيّة. هذا هو بالضبط ما نتبيّنه اليوم في لبنان، لأنّ الدَّين العامّ هو في الواقع عمليّة استيلاء ونهب متنكّر لممتلكات اللّبنانيّين. المسافة بين الدين والروح الطائفيّة تشكّل هاوية هائلة، من وجهة نظر فكريّة وروحيّة وأخلاقيّة. إذا كان الإيمان يسعى إلى وضع الإنسان على المستوى الكونيّ، فإنّ الروح الطائفيّة تدفع الجميع إلى الانكفاء على أنفسهم وعلى جماعتهم الطائفيّة. إنّ وحدة اللّبنانيّين، من جميع الجماعات، وضمن الثورة المستمرّة، لهي شهادة واضحة على أنّ الطائفيّة العميلة هي من أسوأ العلل التي نعاني منها!"

التنديد بنمط العيش ومتغيّراته

أكّد دكّاش أن " ثورة 17 تشرين الأوّل هي تنديد لنمط العيش الذي ألزمنا به الساسة اللّبنانيّون. في نمط العيش، الخطأ هو الذي يكون له ما يبرّره دائمًا في حين أنّ ما هو حقيقيّ وصحيح يتمّ دائمًا إعادة النظر فيه. يتمّ إهمال المساءلة أو تجاهلها أو حتّى نسيانها، لأنّ الأمر يستغرق وقتًا حتّى تكتمل. لذلك فإنّ الإفلات من العقاب هو الذي يصبح القاعدة المتّبعة بمكر".

ويقول:"بفضل قوّة وسائل التواصل الاجتماعيّ، لا يحتاج الجيل الجديد إلى السفر حول العالم ليفهم أنّ هناك بديلًا آخر لممارسة السلطة في لبنان كما بناها جيلنا. إنّهم يدركون بوضوح كيف ينبغي أن يكون بلدهم، بلد احترام سيادة القانون، وعدم الفساد وغياب أي "واسطة" مهينة. الشباب والأقلّ شبابًا من الجيل الجديد، يشكّلون، مع الشتات اللبنانيّ، آفاقًا دوليّة وشبكة تشكّل خطرًا حقيقيًّا على السلطة الطائفيّة. وبما أنّ السياسيّين اللبنانيّين ليسوا قدوة يُحتَذى بها، فإنّ الجيل الجديد يفضّل عليهم الاقتداء برجال الدولة ونسائها في رحاب العالم". (...) "ترفض أجيالنا الشابّة عدم المساءلة والإفلات من العقاب. كانت حركة الشباب ولا تزال ثورة مواطنلاستعادة الكرامة المنهارة والمساحة العامّ المجتزأة ضمن مناطق النفوذ. إذا كانت الطبقة الحاكمة تحدّ ممارسة السياسة بعلاقات إنتهازيّة زبائنيّة، يرفض اللّبنانيّون أن ينخدعوا بوعود غامضة تتعلّق بالإصلاحات. إنّهم يندّدون بعدم مسؤوليّة حكّامهم بشأن مسائل حيويّة متعلّقة بالخدمات العامّة، مثل الطاقة، والنفايات المنزليّة، ناهيك عن الأزمة الماليّة المستعرة والتي تقوّض مستقبل البلاد. لا يزال المواطنون مروّعين، مثل عدد كبير من المراقبين الأجانب الملتحقين ببلدنا، من دولة انعدم فيها القانون، دولتنا، ومن عدم احترام قوانين الجمهوريّة وكذلك التطبيق المجتزأ لها".

إستجابة الجامعة

"لا يمكن للجامعة أن تكون محايدة لأنّها ليست حزبًا سياسيًّا ولا تشارك في الاستيلاء على السلطة" يقول دكّاش في خطابه، "قضيّتنا هي إعادة بناء وطننا لبنان أخلاقيًّا وروحيًّا وماديًّا، أرى أنّ هذه المهمّة تنمو ضمن المحاور الثلاثة التالية: نداء 27 تشرين الأوّل (أكتوبر) : أبعاد الإعلان المشترك بين الجامعة الأميركيّة في بيروت وجامعة القدّيس يوسف؛ نداء إلى يقظة الفكر اللّبنانيّ؛ دعوة إلى يقظة الهويّة اللّبنانيّة".

أكّد دكّاش أن "تماشيًا مع روح الإعلان المشترك ورسالته التي وقّعها في 27 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019 رئيس جامعة القدّيس يوسف ورئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت، فإنّ العمل من أجل التغيير سيستمرّ ويتطوّر. هذه الوثيقة ليست نصًّا ظرفيًّا يأتي لدعم ثورة، ولا ردّ فعل عابر على حدث، ناهيك عن تعبير انتهازيّ يسعى إلى وضع نفسه على رقعة الشطرنج السياسيّة في الوقت الراهن. يعبّر هذا الإعلان عن قناعة جامعتَينا بأنّ الطريقة التي يُدار بها هذا البلد، من خلال الزبائنيّة الجامحة والوقحة، لا تؤدّي إلاّ إلى تبديد ثرواته الماديّة والفكريّة". وتابع: " إنّ دعم الحركة الشعبيّة وإعلانها لبنانيّة أصيلة يتطلّب اتّخاذ خطوة بسيطة للغاية قمنا بها. "جامعتانا اللتان تلتزمان تاريخيًّا في بناء لبنان الكبير، منذ إنشاء دولته، لا يمكنهما إلاّ الانضمام إلى التزام المعلّمين والطلّاب والموظّفين الإداريّين والقدامى الذين يكافحون من أجل حقوق جميع اللّبنانيّين بلا استثناء". ويتبع هذا الالتزام نداءٌ إلى حكّامنا حتّى يتمّ اتّخاذ مبادرات حقيقيّة تجاه مطالب هذه الحركة: "يجب على السلطات الرسميّة اللبنانيّة أن ترحّب بالروح الجديدة التي يحملها كلّ اللّبنانيّين، والتي تدعو إلى الوحدة وإلى لقاء جميع اللّبنانيّين، وإلى دولة مدنيّة تتجاوز الطائفيّة وتقاسم المصالح، وقائمة على أساس قيم الحريّة والأخوّة والمساواة والعدالة والحقوق والواجبات للجميع".

واعتبر أن "الأزمة الأخلاقيّة والفكريّة الحاليّة هي استمرار لأزمة جامعيّة وأكاديميّة (...) إنّ التكاثر الفوضويّ الذي شهدته المؤسّسات الجامعيّة، في غضون عشر سنوات، (لدينا حاليًّا 58)، أدّى إلى تفاقم اللّيبراليّة الوحشيّة على الطراز اللّبنانيّ ممّا جعل الجامعة أداة من بين أدوات أخرى في خدمة الزبائنيّة الطائفيّة أو السياسيّة" وأضاف: "كانت الجامعة هي البوتقة الرئيسيّة للفكر اللّبنانيّ في الدولة وواقع  المواطنة. سياسيّونا ليسوا بمفكّرين. إنّهم من هواة القتال باللّكمات والقدح والذمّ،  وهم غير قادرين على بناء المستقبل لأنّهم يفتقرون إلى رؤية إستشرافيّة تستند إلى العلم. الجامعة هي الطريق الملكيّ الذي يسلكه الفكر اللّبنانيّ القادر على مواجهة إحباطنا الحاليّ".

وعن الدعوة إلى يقظة الهويّة اللّبنانيّة قال دكّاش "لن أخوض في تفاصيل إشكاليّة الهويّة الوطنيّة اللّبنانيّة. في ما يتعلّق بالهويّة المماثلة، أكتفي بنقل ما قاله البطريرك الحويّك في رسالته والذي يشاركه فيها جميع اللّبنانيّين: التديّن، واللّغة العربيّة، والنبل هي عناصر دائمة لهذه الهويّة المماثلة، كإرث من الماضي. من الواضح أنّ البطريرك الحويّك كان يستبق الرابط الذي يتوجّب تعزيزه بين اللّبنانيّين تحت مصطلح محبّة الوطن وأبنائه حتّى ينجح لبنان".

وختم دكّاش خطابه بالقول "من أجل تكريم الذكرى المئويّة الأولى لإعلان ما نحن اليوم عليه من قوّة، لبنان الكبير، بقيمه وطاقة شعبه، من شهدائه الأموات والأحياء، وكذلك 145 عامًا من وجود جامعتنا، يجب أن ننتقل، بشكلٍ طارئ، من كتاب الواقع اللّبنانيّ الأسود إلى الكتاب الأبيض الذي ينطوي على التغييرات والإصلاحات. في هذه الأوقات حيث نواجه الأمواج العاتية، نريد أن نؤمن بقدرتنا على التعافي من أجل صنع مستقبلنا وتعزيزه، وذلك بفضل براعتنا وإبداعنا. نحن نعتمد على أنفسنا، وعلى عزمنا على البقاء في أرض أجدادنا. نحن نعتمد على مهارتنا من أجل أن نبتكر لكي ننقذ وظيفة شبابنا، لا سيّما الخرّيجين الثلاثة ألف لدُفعة الذكرى 145 على تأسيس جامعة القدّيس يوسف. نحن نعتمد على توطيد أواصر علاقاتنا مع الشتات اللّبنانيّ لكي يكون هذا الشتات مصدر إلهام ودعم معنويّ ومادّي من أجل إنشاء مركز توظيف في جامعة القدّيس يوسف، وتطوير العمل عن بُعد بواسطة ريادة الأعمال، وتطوير صناعة الأدوية اللّبنانيّة. كمثال، نذكر اللّجنة المكوَّنة من عدّة جامعات ومستشفيات التي تجتمع لهذا الغرض تحت قيادتنا".

واقترح إطلاق مسابقة حول أهمّ عشرة ابتكارات لبنانيّة على مدى السنوات العشر الماضية.

كما تنمّى ومواصلة حملة جمع التبرّعات وتعزيزها وقد أطلقتها جامعة القدّيس يوسف في العام 2020 من أجل مساعدة الطلاّب المحتاجين.

 


[1] Antoine Messarra, l’Orient-le-Jour, « Les impostures sursaturées », du mercredi 4 mars 2020.