رسالة رئيس الجامعة إلى مجتمع الطلاب بأكمله – 2020-2021

إنّ ظروفكم المعيشيّة، وجودة برامج التنشئة التي تتبعونها وقيمة الشهادات هي أولويّتنا
أيلول 2020

أعزّائي الطالبات والطلاب،

أكتب هذه الرسالة عشيّة الحجر الجديد الذي يمتدّ من 21 آب (أغسطس) إلى 7 أيلول (سبتمبر) 2020، والذي أصدرته الحكومة المستقيلة من أجل مكافحة وباء جائحة الكورونا Covid-19. سوف يحيا تاريخ 1 أيلول (سبتمبر) 2020 الذي يحتفل بالذكرى المئويّة لإعلان لبنان في 1 أيلول (سبتمبر) 1920 في صمت وتأمّل. قد يكون هذا هو الوقت المناسب بالنسبة إلينا جميعًا للتأمّل بشكل أفضل بالصفحات البيضاء والمشرقة بالإضافة إلى العديد من الصفحات السوداء في حياة بلدنا على مدار مائة عام مضت. لكن مثل أي يوبيل، فإنّ ما يهمنا ليس مجرّد إلقاء نظرة نحو الماضي، بل إلقاء نظرة متفائلة على مستقبلنا مبنيّة على الثقة والأمل. ليس لدينا خيار، فنحن لا يمكننا الاستسلام، بل التفاؤل. سنعرف كيف نتحدّى المستحيل لنجعله مليئًا بالإمكانيّات لصالح شعبنا.

أعلم أنّ ظروف الحياة الاقتصاديّة والصحيّة والشكوك الاجتماعيةّ والسياسيّة التي نرزح تحت وطأتها في ما يتعلّق بتداعيات هذه الأزمة الصحيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، والتي تُضاف إليها تداعيات الأزمة التي سبّبها إنفجار مرفأ بيروت على دراستكم، هي ظروف غير محتملة. البعض منكم مصاب أو مريض، لا بل مكتئب، أو فقد أحبّاء أعزّاء : أودّ أن أوجّه لهم، باسمي وباسم أسرة الجامعة بأكملها، شعورًا خاصًّا بالتعاطف والمساعدة المتبادلة. تترك الجروح آثارًا على هويّتنا وطريقة تصرّفنا وخاصّة على ردود أفعالنا وسلوكنا مع الآخرين : بالطبع يجب ألا ننساهم، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت ردود أفعالنا تعزّز أو تقلّل من قيمنا، كما يجب أن نقوّم معتقداتنا، وتقديرنا لذاتنا أو حتّى ثقتنا بأنفسنا، كلّ هذه المفاهيم التي تكوّن في الواقع ركائز شخصيّتنا.

ظهرت جامعة القدّيس يوسف في بيروت، كالعادة، مدرسة تضامن خلال أي أزمة وستظلّ كذلك دائمًا. أودّ أن أشكر جميع طلابنا والمعلّمين والإداريّين في جامعتنا على مشاركتهم في حملات التضامن الاجتماعيّ ؛ بالإضافة إلى أطبّائنا وطلاب المستشفيات الجامعيّة وطاقم مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" Hôtel-Dieu de France على الرعاية والمساعدة التي يقدّمونهما للمرضى والجرحى. كيف لا نشكر كلّ من التزم على مختلف المستويات وبطرق متعدّدة في أعمال التضامن عن قرب أو داخل الجمعيّات، وكلّ من يلتزم بالتباعد من أجل مكافحة الوباء. تعتزّ جامعتنا بتنشئة كياننا الداخليّ والخارجيّ في التطوّع، بدءًا من شعار تنشئتنا الذاتيّة كي نصبح رجالًا ونساءً من أجل الآخرين. أنا متأكّد من أنّ الطلاب الجدد يتمتّعون بتجربة العمل التضامنيّ والتطوّعيّ. سيُطلب منكم الانضمام إلى مدرسة المواطنة والالتزام الاجتماعيّ هذه من أجل ما يعود بالخير الملموس على القريب.

تمّت تعبئة الجامعة بالكامل للسماح لكم بالبدء بتنشئتكم الأكاديميّة والمهنيّة أو متابعتها. مواجهة تحدّي الأزمة بالنسبة إلينا جميعًا تعني الاستمراريّة التعليميّة في التميّز. كلمة أزمة لها شرحان : إنّها لحظة اندلاع  كارثة مدمّرة لنظامٍ قائم، لكنّها أيضًا لحظة ايجاد فرصة من أجل إعادة بناء المستقبل ! ما زالت هذه الاستمراريّة قائمة وتتجدّد بفضل العمل الدؤوب الذي تقوم به أسرة التدريس وخدمات دعم التعليم المختلفة التي تهيمن عليها اليوم التكنولوجيا الرقميّة : التعليم، والأقساط الدراسيّة، وأمانات سرّ برامج التنشئة، والخدمات المعلوماتيّة والرقميّة... تمّ وضع دليل التعلّم والتعليم عن بعد وتمّ تسليمه إلى الجميع. مع منصّة Moodle وأدوات أخرى، سوف تبقون على اتّصال بفِرَقكم، فِرَق التدريس، وحتّى مع بعضكم البعض "كمجموعة صفيّة"، وسوف تتلقّون دروسًا أو تتحدّثون مع المحاضرين. يتمّ توفير جزء كبير من موارد المكتبة عبر الإنترنت. ومع ذلك، فإنّنا ندرك جيّدًا حدود ممارسة العمل المستهجن حضوريًّا وعن بُعد، كما ندرك الفجوة الرقميّة بالنسبة إلى البعض منكم. تتّخذ الجامعة إجراءات عمليّة لتتمكّن من القيام بهذا العمل.

الفترة التي نمرّ بها تضعضع حياتنا اليوميّة وتثير العديد من التساؤلات. إنّ التغلّب على الأزمة يعني، من بين أمور أخرى، إتقان مهاراتنا وتوجيهها نحو الصالح العام. تبقى فِرَق الجامعة والكليّات إلى جانبكم لدعمكم خلال هذه الفترة. سيتمّ التركيز على جانبَين أو ثلاثة جوانب : محاولة الخروج من السلبيّة بأسرع ما يمكن من خلال تبنّي أهداف إيجابيّة صغيرة لتحقيقها. هذا الأمر يغيّر حياة كاملة. ثانيًا، الدعم الذاتيّ وجعل الآخرين يدعمونكم في حال شعرتم بالسوء. إنّ دائرة الخدمة الاجتماعيّة، ومركز العناية النفسيّة، ومركز طبّ العائلة في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" HDF، ودائرة الحياة الطلابيّة، والمرشديّة الروحيّة، لهي أماكن موجودة دائمًا وفي حالة تأهّب، من أجل دعمكم على أي مستوى ترغبون به. وللإجابة على أسئلتكم، يتمّ تحديث معرض الأسئلة المتداولة (FAQ) بانتظام على موقع جامعة القدّيس يوسف في بيروت.

من أجل محاربة العزلة، والراحة والمحافظة على لياقتكم، تمنحكم الجامعة أيضًا إمكانيّة الوصول عبر الإنترنت أو حضوريًّا إلى الأنشطة الرياضيّة، وجلسات الاسترخاء والتأمّل، وإلى خطط ثقافيّة جيّدة ونصائح حول كيفيّة الاعتناء بأنفسكم. سيتمّ إرسال إصدارات خاصّة من مجلّة CampusJ، الصحيفة الخاصّة بطلاب جامعة القدّيس يوسف في بيروت، بشكل منتظم لمرافقتكم في بدء دراستكم الجامعيّة وتنظيم حياتكم. إنّ ظروفكم المعيشيّة، وجودة التنشئة التي تتبعونها وقيمة الشهادات هي أولويّتنا. يمكنكم جميعًا أن تطمئنّوا في ما يتعلّق بتعبئتنا التامّة والكاملة من أجل أن نضمن لكم الاعتراف بدراستكم واستئنافها بالكامل حضوريًّا، في الوقت المحدّد، وفي أفضل الظروف الممكنة. في كلّ هذا، قوموا بما يجب عليكم فعله بمحبّة، وعطاء ذاتيّ وشغف.

 

لنتذكّر هذه الكلمة التي قالها البابا فرنسيس :

 "خطر الإصابة بعدوى الفايروس يجب أن يعلّمنا نوعًا آخر من" الإصابة " ألا وهي الإصابة بعدوى المحبّة التي تنتقل من قلب إنسان إلى قلب إنسان آخر".