اطلاق كتاب مغامرة الحوار: سيرة القاضي عبّاس الحلبي الحِواريّة

ندوة في إطار وجوه حواريّة التي ينظّمها دوريًا معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة
الأربعار 31 كانون الثاني 2024
Amphithéâtre François Bassil - Campus de l'innovation et du sport

معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت

أَطلقَ "مغامرة الحوار: سيرة القاضي عبّاس الحلبي الحِواريّة"

 

في إطارِ تكريمِهِ وجوهًا حِواريّة، احتفلَ معهد الدّراسات الإسلاميّة والمسيحيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت باطلاق كتاب "مغامرة الحِوار: سيرة القاضي عبّاس الحلبي الحِواريّة" في ندوَةٍ أُقيمَت في مدرَّج فرنسوا باسيل في حَرَم الابتكار والرّياضة، يوم الأربعاء 31 كانون الثّاني 2024. حضرَ الاحتفال سماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى على رأس وفدٍ كبير من المشايخ، وصاحبَا السيادة المطران بولس مطر والمطران شارل مراد ورجال دين من كلّ الطوائف وعدد من الوزراء والنوّاب والسفراء ورؤساء جامعات وأكاديميين وطلاّب وأصدقاء.

بعدَ الكلمة الترحيبيّة لمقدِّمَة الحَفل الإعلاميّة الديكو إيليّا، تحدّثت مديرة المعهد البروفسور رولا تلحوق التي أشارت إلى أنَّ المعهد ما زال مستمرًّا في رسالته بالإضاءة أكاديميًّا على قاماتٍ ساهَمَت في إعلاءِ الحوار الإسلاميّ-المسيحيّ؛ فبعد اللقاء حول "نهجِ السيّدِ العلّامةِ محمّد حسين فضل الله" وحولَ "التجديدِ اللاهوتيّ في فكرِ المطرانِ جورج خضر" أضافت تلحوق، نجتمع لتظهير فكر القاضي عبّاس الحلبي واسهامَاته في الحوارِ الإسلاميّ-المسيحيّ خصوصًا بين السنوات 2010-2020. ونوّهت البروفسور رولا بالحلبي الذي أغنى الحوار بكتاباته ومحاضراته، شاكرةً الدكتور أنطوان أفرام سلامه من أساتذة المعهد الذي أعدَّ الكتاب.

في الندوة اعتبرَ رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكّاش اليسوعيّ أنّ القاضي عبّاس الحلبي يُكَلِّلُ هذه الوجوه الحواريّة بصفته العلمانيّة والحكوميّة، وأنَّ سنوات الوزارة الحالية تَزيدُ من رونق هذه السيرة التي تُعلّمنا أن التحديات الأساسيّة بالنسبة إلى العاملين في الحوار وإلى معالي الوزير خصوصًا هي تحديات قيَميّة؛ أي إنَّ ما ينظر إليه صاحب السيرة والمسيرة هي القيم من خلال الحوار. فمن يحمل همّ الحوار والوساطات، بحسب دكّاش، إنما تعنيه الحقيقة والعدل والسلام والعيش المشترك وإعلاء شأن المواطنيّة والإخاء بين الناس. وأضاف الأب دكّاش أننا بحاجةٍ إلى هذه القيم لنسترشد بها من خلال شخص عاشها ومارسها في خضم الصعوبات والقتل والإبادة خلال فترة الحرب في لبنان، وأن التغيير يحققه أفراد رياديون مؤمنون صابرون  يضحّون من أجل الحوار في عزّ الأزمات ولا مصلحة لهم سوى الخير العام اللبناني. واعتبر الأب الرئيس دكّاش أنَّ هذه السيرة الإيمانية الملتزمة للحلبي تصلح أن تكون مرجعًا وكتابًا أساسيا شاهدًا للماضي من دون الانغلاق عليه بل يتجه صوب طاقات المستقبل وأمنيات المستقبل. كما شكر دكّاش، معالي الوزير على  شهادته الحِواريّة المميزة  التي نحتفظ بها من أجل الأجيال الجديدة، دليلاً على أن لبنان يُستَحقّ التضحية من أجله.

بعدها تحدّث معالي الوزير السابق ورئيس جامعة القديس جاورجيوس الدكتور طارق متري عن صداقته بالقاضي الحلبي التي تميّزت بالتجدّد والانفتاح معتبرًا أن الصداقة هي أول ثمار الحوار، معترفًا بقيمة الجدل بين فردانية الشريك وانتماءاته، مشيرًا إلى ما تعلّمه من الحلبي عن الموحّدين الدروز من كتابه الفرنسي "الدروز" ((les druzes وما تعلّمه من كتاب حياته حيث تبدو يده ممدودة نحو الآخر. فالحوار عند الحلبي، بحسب متري، هو شرطٌ للتفاعل مع الآخرين وليس مسايرةً أو تلفيقًا أو استخفافًا بالتنوع. فأسئلة الحوار ولاسيّما حوار المواطنة الطالعة من السياقات اللبنانية والعربية لم تَغِب، بحسب متري، عن بال الحلبي الذي كان خائفًا على حوار الحياة في أزمنة التوتر، حيث الحيرة بين صون الوحدة من جهة والحفاظ على التنوّع من جهة أخرى. وأمام هذه الصعوبة سعى الحلبي باستمرار، تابعَ الدكتور متري، إلى الكشف عن احتمالات الحوار عالِمًا علم اليقين أن الحوار هو رغبة في إيضاح الفوارق وإحلالها في مواضعها.  كما رأى متري أن الحوار عند الحلبي لا يقوم بين الأديان والثقافات بل بين المؤمنين والمواطنين الذين يلتمسون الطاعة لله ويسعون وراء الخير العام، مشيرًا إلى أنَّ عبّاس الحلبي قد استجاب للدعوة إلى الكلمة السواء.

وبعد متري تحدّث الدكتور محمد السمّاك مهنِّئًا الكاتب على بحثه الذي يشكِّلُ مرجعًا قيِّمًا في مجال الحوار، ثمّ سرد السمّاك تجربته الحوارية مع الحلبي معتبرًا أنَّ المسلمين كانوا دومًا مدعوين إلى الحوار ولم يكونوا مبادرين إليه، وأنَّ دخول المسلمين إلى الحوار للمرة الأولى كان عبر مجلس الكنائس العالمي في جنيف عندما كان الدكتور طارق متري مسؤولاً فيه عن لجنة الحوار ودعا  الحلبي والسمّاك إلى المشاركة في الحوار. وأضاف السمّاك أن نشاطهما الحواري توسّع لاحقًا بعد تأسيس الفريق العربي للحوار الإسلاميّ-المسيحيّ الذي يرأسه القاضي الحلبي وما يزال، وقد انطلقا فيه مع جميع أعضاء الفريق في مسيرة حوارٍ لبنانيّة وعربيّة ودوليّة. واعترف الدكتور السماك أن للقاضي الحلبي مبادرات تاريخيّة في مساعدة طائفته الكريمة، طائفة الموحّدين الدّروز، على الانفتاح على الحوار خارج وداخل لبنان، مشيرًا إلى أهمية القاضي الحلبي في مؤسّسة "سانت إيجيديو" التي كانت تنظِّم سنويًّا مؤتمرًا حواريًّا عالميًّا وتحرص في جميع مؤتمراتها على أن يكون الحلبي أحد الخطباء وأحد المتحدّثين الرئيسيين.

وبعد السمّاك تحدّث واضع الكتاب الدكتور أنطوان أفرام سلامه عن مضمون الكتاب وعن الأسلوب الذي اعتمده في نشر محاضرات الحلبي الحِوارية بين السنوات 2010 و2020، معتبرًا أنَّ مغامرة عباس الحلبي الحوارية هي حنينٌ إلى وطنٍ يُبنى في العقول قبلَ الحدود، وشَوقٌ إلى دولةٍ تتوافقُ جماعاتُها توافقًا متينًا مرتكزًا على بُنًى متماسكة. وأضاف سلامه بأن ميزة الكتاب الجديد تكمن في تفاصيل سيرة الحلبي الحوارية وفي محاضراته التي تُسَطِّر في بعضها أحداثًا من الماضي القريب، وفي القصص النادرة والاقتباسات الرديفة التي تَختَتِم كلَّ فصلٍ من الكتاب. وبعدَ شكره لرئيس الجامعة ولمديرة المعهد اللذين أطلقا المشروع وواكباه، ختم الدكتور أنطوان كلمته محيّيًا الوزير الحلبي الذي شقَّ طريقَ الحوارِ والانفتاح في المذهب الدرزيّ، وبنى جسرَ عبورٍ من الطائفيةِ إلى المواطنة، ومن الدويلةِ إلى الدولة، وعلّم بعباراتِهِ أن "لا بديلَ عن الحوار، لأنَّ البديلَ مدمِّرٌ، ولا أحدَ يخرجُ منه منتصرًا"، ودعا إلى تجديدِ الثقةِ بمستقبلِ لبنانَ مع الطوائفِ كلِّها.

وبعد كلمات المنتدين، ألقى سماحة شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى كلمةً عبَّر فيها عن سعادته بالمشاركة في ندوةٍ تكريميّة لأحدِ أبرزِ الوجوه الحواريةِ المُشرِقة، ممثّلِ طائفة الموحّدين "الدروز" في اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، معالي الوزير الأستاذ عبّاس الحلبي. واعتبر أبي المنى أنّ الحلبي هو المعبِّر بصدقٍ عن انفتاح بيئتِه التوحيدية على الحوار، والمناضل في سبيله منذ مطلع شبابه، والمتعمّق في موضوعه محليّاً وعربيَّاً ودوليَّاً، والمساهمِ الأبرزِ في نشر ثقافته في مجتمعه. وشدد سماحته على أهمية الحوار الذي يجب أن لا يظل محصورًا بين النخب المثقفة بل أن يحظى باهتمام الدولة داعيًا إلى نشر ثقافة الحوار، ومتحدِّثًا عن أهمية إنشاء وزارةٍ أو هيئة عليا رسمية ترعى الوفاقَ الوطنيَّ، وعن تغييرٍ في النظام السياسي، بالاتجاه نحو إلغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلسٍ للشيوخ، الذي ربما سيكون الإطارَ المناسبَ لهذا الحوار ولصيانةِ العيش المشترَك، والذي آنَ الأوانُ لتحقيقِه، بحيث تتمثّل فيه الطوائفُ الأساسية، ويكون مصدرَ ٱطمئنان لها، ويكونَ الولاءُ للوطن أساساً في بناء الدولة.

أمّا كلمة الختام فكانت للمحتفى به معالي الوزير القاضي عبّاس الحلبي الذي اعتبر أنَّ أجملَ شعورٍ يحياهُ المرءُ هوَ اللقاءُ بالآخَر المختَلِف، متحدّثًا عن تجربته الحِواريّة التي طبعت تفاصيل يومياته والتي ساعدته في مهامّه في وزارة التربية والتعليم العالي التي هي وزارةٌ سيادية. وأضاف الوزير الحلبي بأنَّ مَنْ لا يتمتَّعُ بتجربةٍ حواريّةٍ ومن لم يتمرَّسْ بلغة الحوار، يَصعَبُ عليهِ تأمينُ إدارةٍ هادئةٍ سليمةٍ لضمان سير العمليّة التربوية في الظروف الصّعبة، مُحَييًا فريقِ عملِ الوزارة الذي يعمَلُ  بروحِ التضامنِ والتكاتف، بالرُّغمِ من التصويب اليوميّ عليه من قبل بعض الوسائل الإعلاميّة المأجورةِ وبعض المواقعِ الإلكترونيّة الرخيصة، والتي تدحضُ افتراءاتِها المقولةُ المأثورةُ "الشمس طالعة والنّاس قاشعَة". بعدها شكر الحلبي الدكتور أنطوان سلامه على محبّتِهِ وكتاباتِهِ، منوِّهًا به بأنَّه مثالُ التواضُع العلميّ، والكفاءةِ الفكريّةِ، والطّاقَةِ البحثيّة، ومثالُ الصّديقِ والأخِ الوفيّ، كما شكر رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكّاش الذي قدّمَ الكتاب بأُسلوبهِ العميق الرّصين، ومديرة المعهد البروفسور رولا تلحوق التي أَشرَفَت على العمل وتابعتهُ برصانتِها الفكريّة وملاحظاتها القيِّمَةَ. ثم شكر الحلبي المنتدين ورفع أسمى آيات العرفان لسماحة شيخ العقل على حضوره المشرِّف، وقدَّم الكتاب إلى الحضور للقراءة والإفادة. والتقى الجميع حول نخب المناسبة.

في الصحف :  الوكالة الوطنية للإعلام : وزير التربية في اطلاق معهد الدراسات في اليسوعية "سيرة القاضي عباس الحلبي الحوارية": من لم يتمرس بلغة الحوار يصعب عليه تأمين إدارة هادئة سليمة

البوم الصور

اقرأ أيضا" : 

« L’aventure du dialogue : le parcours de Abbas Halabi » par Antoine Salamé