العنف الأسري في ظل الأزمات

Yara Idriss
Mardi 5 avril
Organisateurs

يتمثل العنف الأسريّ بالتصرفات الحادّة التي تُلحق الأذى أو الضرر بأفراد الأسرة، كتعنيف الزوج لزوجته، أو العنف ضد الأطفال من قبل الأهل، وقد يُترجَم ذلك العنف الى اعتداء جسدي، أو نفسي، أو جنسي. كما أنّه يمكن أن يتمثل بتهديدٍ، أو إهمالٍ، أو سلبٍ للحقوق، أو استغلالٍ أو سوء معاملة.  

لم يكن هناك في القانون اللبناني ما ينص على حماية النساء وباقي أفراد الأسرة من العنف الأسَري سابقًا، بل يقتصر قانون العقوبات اللبنانيّ على تجريم أفعال الضرب والايذاء والقدح والذم فقط، إلى حين تمّ إقرار القانون رقم 293: "قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري" عام 2014، والذي ينص أولاً على: تجريم المعتدي كما هو مدون في قانون العقوبات مع تشديد العقوبة على المرتكبين في حال حصلت الجريمة داخل الأسرة الواحدة. 

ثانيًا، يتضمن قسمًا يحمي الضحيّة عبر إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر تقديم ما يُسمى بطلب حماية. تجدر الاشارة هنا الى أن هذا القانون لا يشمل بعض أنواع العنف الممارس على النساء، فلا يُجرم الاغتصاب الزوجيّ. ويستثني القانون 293 أيضًا العديد من العلاقات، مثل علاقات الزواج السابقة، إلاّ أن هناك دراسة إحصائيّة في كندا أُجريت عام 2009، ظهر فيها أن: %17 من المعنَّفين قد تعرضوا للعنف من قبل شركائهم السابقين، و%32 منهم يتعرض للعنف المباشر والذي استمر بعد الإنفصال وأنّ نسبة الضحايا الأكبر تعود للنساء، حيث بلغت %36 من الحالات. 

إنّ العنف الأُسري يُعرض مستقبل الأسرة إلى الخطر، من دون استثناء المجتمعات التّي لا تخضع لأيّة أزمات مستجدة، فتتوتر العلاقات بين افرادها مما يؤدّي إلى مضاعفاتٍ نفسيّةٍ وجسديّةٍ على المعنَّف. 

فما بالك بهكذا علاقات متوترة في ظل أزماتٍ حادّةٍ، كجائحة كورونا التّي ظهرت في السنتين الأخيرتين، ساهمت في تدهور العلاقات الأُسريّة نتيجة للإجراءات الإستثنائيّة التي فرضتها السلطات على الأُسَر، كالمكوث في البيت لفتراتٍ طويلةٍ مما أدّى بدوره الى زيادة  الضغوطات النفسيّة والإقتصاديّة في البيت. بالاضافة إلى الضغط الناجم عن الوضع المعيشي الصعب، جراء الأوضاع الاقتصاديّة السيئة وانهيار العملة الوطنيّة التي قادت إلى تفاقم المعاناة وشكّلت تراكماتٍ مرهقة على أفراد الأسرة، هذا كلّه زاد من حدّة الإشتباك المباشر بين أفراد الأسرة الواحدة. 

ينبغي الإشارة إلى أن المرأة العربية تُعاني يوميًّا، في كافة القطاعات القانونيّة، الاجتماعيّة، والاقتصاديّة من التمييز الجندري، حيث أفاد تقرير صادر عن منظمة الصّحة العالميّة بعنوان "كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم الشرق المتوسط"، أن الإقليم يحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث إنتشار العنف ضد المرأة فيه، حيث أن %37 من النساء في العالم العربي تعرّضن لعنف جسديّ أو جنسيّ لمرّة واحدة في حياتهن على الأقلّ. وبحسب مكالمات الاستغاثة التي تُجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة، ازدادت حالات العنف خلال الجائحة من %50 إلى %60 مما يعني أنّها ازدادت بنسبة 25% خلال فترة الحجر. 

إنّ الأزمات تشكّل فترات استثنائيّة تكسر النمط الحياتيّ المعتاد إجتماعيًّا وأسريًّا فيبرز سلوك متطرفٍ، فضلاً عن التصرفاتٍ العنيفةٍ الناتجة عن إنهيار الأنماط الإجتماعيّة المعتادة المجحفة في حق المرأة في الأيام العادية وخاصّة في فترات الأزمات. فترتبط الأزمة الاقتصاديّة والتي تنعكس على حياة الأسر، إرتباطًا وثيقًا بزيادة وتيرة العنف، حيث للنساء الحصّة الأكبر من تلقي هذا العنف كونهن الطرف الأضعف. فهنّ ضحايا لنظامٍ إقتصاديّ يفرض عليهن في بعض الأحيان ترك أعمالهن لرعاية الأسرة والاهتمام بالأطفال والقيام بالمهام المنزلية غير مدفوعة الأجر. 

في الآونة الاخيرة، نشأت جمعياتٍ عديدةٍ تُعنى بحقوق المرأة وحمايتها من التهميش والعنف، فأصبح دور هذه الجمعيات جوهريّ في الضغط على السلطات والهيئات التشريعيّة لتغيير القوانين المجحفة بحق المرأة وإقرار قوانين كفيلةٍ بحمايتها من أيّ نوع من أنواع العنف والتواصل مع القطاعات الأمنيّة مباشرةً عند ورود شكوى أو خبر عن عمليّة تعنيف أو أذى. وقد ساهمت هذه الجمعيات بتشجيع الضحايا على التبليغ عن أيّ عنف تتعرض له، حيث تتكفل هذه الجمعيات بتوفير كافة وسائل الحماية القانونيّة والجسديّة والنفسيّة للمرأة المعنَّفة. 

وأخيرًا، يجدر تسليط الضوء على الصعوبات والعوائق التّي يتخلّلها المجتمع اللبنانيّ. فيجب العمل في سبيل تغيير النظام الأبويّ والأُسريّ بأكمله، وعدم إبقاء ما تعانيه المرأة حبيس الجدران الأربعة. علينا السعي إلى تأمين عدالة جندريّة و إقتصاديّة تُمكن النساء من تحقيق استقلاليتهن في كافة الأصعدة عبر إقرار نظام علمانيّ وقانون أحوال شخصيّة موحّد من شأنه ضمان حق المرأة والطفل.