دكّاش في عيد شفيع الجامعة: قضيتنا حرّية بلدنا ولسنا مستعدين للانسحاب

الإثنين 20 آذار 2023
18.00
Campus des sciences et technologies

 

احتفلت جامعة القدّيس يوسف في بيروت، بعيد شفيعها القدّيس يوسف، فأحيت مساء يوم الإثنين  قداسًا احتفل به رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ مع عدد من الآباء اليسوعيين وفي مقدمتهم الأب مخايل زمّيط، الرئيس الإقليميّ للرهبنة اليسوعيّة في الشرق الأدنى والمغرب، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وأعضاء السلك الدبلوماسيّ، رئيس المجلس الأعلى لجامعة القديس يوسف والسادة أعضائه، أعضاء المجلس الإستراتيجيّ للجامعة، ونواب رئيس الجامعة والمديرين والعمداء، رئيس اتّحاد رابطات قدامى طلّاب جامعة القدّيس يوسف ورؤساء الجمعيّات وأعضائها، مدير مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" والشبكة الاستشفائيّة التابعة له، والمعلّمين والإداريّين والطلاب، وذلك في كنيسة حرم العلوم والتكنولوجيا-مار روكز. ونُقل الاحتفال والخطاب بالبثّ المباشر وسائل التواصل الاجتماعيّ الرسميّة الخاصّة بالجامعة.

بعد القداس ألقى رئيس الجامعة خطابه السنويّ وحمل هذا العام عنوان:

"نحو ذكرى مرور 150 عامًا على تأسيس جامعة القدّيس يوسف) 1875-2025 :(جامعة القدّيس يوسف وتأدية مهمّتها في التغيير الاجتماعيّ".

في البداية رحّب البروفسور دكّاش بالسفير البابوي الجديد باولو بورجيا الذي عرف لبنان منذ توليه منصب أمين عامّ السفارة في حريصا من العام 2010 إلى العام 2013. كما رحّب بالأب جوزيف كريستي اليسوعيّ وهو الأمين العامّ للتعليم العالي، وهو يسوعيّ منذ ما يقارب سنتين والأمين العامّ للرابطة الدوليّة للجامعات اليسوعيّة (IAJU) وتوجّه إليه بالقول: "نرى في وجودكم بيننا دعمًا حقيقيًّا لهذه المهمّة الرائدة دائمًا لجامعة القدّيس يوسف في بيروت، هنا في قلب الشرق الأوسط الذي يرزح، مثل البلد، تحت وطأة آثار أزمة أخلاقيّة واجتماعية تهدّد بالتحوّل إلى مرض عضال لا شفاء منه".

ثمّ تحدّث عن معاني عيد مار يوسف وقال: "لا يسعني في هذا العيد، عيد شفيع الجامعة، وهو العيد الـ 148 على تأسيس جامعة القدّيس يوسف، إلا أن أتوجّه إلى شفيعنا القدّيس يوسف، لأطلب منه أن يدعمنا في خضمّ هذه الصعوبات التي نرزح تحت وطأته"، خصوصًا أن الحياة اليوميّة تتطلّب الشجاعة من كلّ شخص، أنتم، وأنا، ونحن جميعًا: لا يمكن للمرء أن يعيش بدون شجاعة، شجاعة مواجهة الصعوبات اليوميّة". تتطرّق بعد ذلك إلى محاور خطابه وهي ثلاثة: التجذّر بالتربية كتحوّل اجتماعي؛ بدأ التحوّل الاجتماعيّ بنا؛ والتحوّل الاجتماعيّ على المستوى اللبنانيّ وخاتمة.

 

خطة إستراتيجيّة وإرساء لقواعد العدالة الاجتماعية  

ذكّر رئيس الجامعة بالخطّة الإستراتيجيّة التي اعتمدتها الجامعة "على مدار السنوات الخمس الماضية وحتّى العام 2025، تدعمها أسرة الجامعة بأكملها من أجل تحقيق أهداف التنمية، وتصويب الجامعة ومواءمتها مع المعايير الجامعيّة الدوليّة في ستّة فصول: التعليم، والبحث، وخدمة المجتمع، والتألّق، والتنشئة المستمرّة، وتعزيز المؤسّسة" وتمّت صياغة ما يزيد على 50 بروتوكولاً في هذا المجال بدءًا من مكافحة الاحتيال والتحرّش الأخلاقيّ والجنسيّ وغير ذلك من موضوعات. وذكّر بمكانة الجامعة التي إلى جانب نيلها الاعتماد اليسوعيّ من خلال الامتحان اليسوعيّ، نجحت في تجديد الاعتماد المؤسّسي Acquin الذي تمّ الحصول عليه في العام 2018 لمدّة 6 سنوات، وقال:"تلتزم الجامعة بديناميّة الحصول على الاعتماد الأميركيّ من قِبَل الرابطة الغربيّة للمدارس والكليّات WSCUC، وأنه سبق للعديد من المؤسّسات الأكاديميّة في جامعة القدّيس يوسف القيام بتنفيذ ديناميّة الحصول على هذا الاعتماد، وهي ديناميّة جعلتها النقابات المهنيّة والحكومات ضروريّة، وهي تفتح الباب أمام كليّات مثل الطبّ، وإدارة الأعمال والعلم الإداريّ، والعلوم التمريضيّة، وهي في وضع جيّد جدًا، للحصول على هذا الاعتماد".

ثم تحدّث عن مساهمات جامعة القدّيس يوسف من أجل "إرساء أسس العدالة الاجتماعيّة تتمثّل في سياسة التضامن ليس فقط مع الطلّاب الذين تمنعهم الحاجة من بدء دراستهم أو مواصلتها، ولكن أيضًا مع مكوّنات أسرتنا الجامعيّة والاستشفائيّة المتعدّدة".  

وكشف أن الموارد التي تجمعها الجامعة بعيدة كلّ البعد عن أن تكون كافية، مشدّدًا على أهمية التضامن والعطاء وأنه "في ديناميّة التضامن هذه، ضاعفنا في السنوات الأخيرة وجودنا ومساعدتنا للطبقات المحرومة في المجتمع من خلال "الجامعة اليسوعيّة في مهمّة"، وعمليّة اليوم السابع، ودائرة الحياة الطلابيّة ومؤخّرًا، من خلال إنشاء منظمّة أهليّة باسم "المزيد" الأكثر Magis التي أصبحت الذراع الاجتماعيّ للجامعة".

وكشف عن إطلاق "حملة وطنيّة ودوليّة لمناسبة الذكرى 150 للجامعة، كخطوة أولى لوضع صندوق أموال احتياطي قدره 50 مليون دولار أميركيّ تمّ إيداعه باسم الجامعة. عندما نُطلق مثل هذه المبادرة وعندما نمدّ يد العون من أجل مساعدة 5500 طالب ممّن لهم الحقّ في مواصلة دراستهم على الرغم من مشاكلهم الماليّة، لأنّ المعرفة هي للجميع".

 

الاستثمار في الموارد البشرية

عن الديناميّة الخلاصيّة وأهمية الإصغاء الإنسانيّ، والإصغاء المتبادل، والإصغاء الإيجابيّ، باعتباره " قوّة روحيّة لا تُقاس" وقال: نحن متنبّهون وسنكون دائمًا متنبّهين من أجل مدّ يد المساعدة في مجال صحّة الشباب النفسيّة والتي تزداد هشاشة في لبنان الذي اجتاحته رياح الأزمة. لقد أشادت وكالة WURI بهذا الإصغاء وبأسلوب الحياة المرنة هذا من خلال تصنيفنا في المركز السادس عشر كأفضل فاعلين في إدارة الأزمات من جامعة القدّيس يوسف، وكذلك من الرهبنة اليسوعيّة والشبكة اليسوعيّة الجامعيّة الأوروبيّة Jesuit Kircher، من خلال منحنا وسام بيتر كانيزيوس في بوسطن، في شهر آب 2022، ممّا يشجّعنا على مواصلة مقاومتنا من أجل مواصلة مهمّتنا في تنشئة الأجيال الجديدة".

وتطرّق دكّاش إلى التحوّل الرقميّ والتفكير في مكانة الذكاء الاصطناعيّ مثل GPT Chat والمنصّات المماثلة إضافة إلى الـ"ميتافيرس" مؤكّدّا أن "على الجامعة أن تتدخّل لتجعل الطالب يفكّر عمليًّا وأخلاقيًّا ويغيّر موقفه أمام ما يفعله وينجزه"، مؤكّدًا أن "الجامعة عملت خلال العام المنصرم على "تطوير الاستثمار في الموارد البشريّة نحو الخدمات الاستشفائيّة والصحيّة وتعزيز برامجنا على المستوى الدوليّ" مستشهدًا ما تحقّق في كل من مستشفى القرطباوي، والسان شارل، وتلّ شيحا في زحلة ومستشفى الشرق الأوسط الذي تمّ بناؤه حديثًا في بغداد، وكلّ هذه المستشفيات تشكّل شبكة جامعة القدّيس يوسف/مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس".

 

وللمواطنة حصتها إذ تطرّق إلى "إطلاق برنامج تدريب خاصّ حول المواطنة بروح الدستور اللبنانيّ وحرفيّته. وقد تمّ للتوّ إطلاق برنامج آخر لتعزيز المواطنة والديمقراطيّة من قِبَل كليّة العلوم الدينيّة يتوجّه إلى معلّمي المدارس الثانويّة، بدعم من شريكتنا مؤسّسة "ديان". مذكّرًا بالأرقام بالحال السريالية السياسيّة التي نعيشها منذ العام 2005 وتبعاتها على المواطنين العاديين، منها مثلاً أن هناك " 400 ألف مهاجر من بينهم 75 في المئة من الشباب منذ العام 2019، وتضخّم يفوق نسبة الـ 150 في المئة، و75 في المئة تحت خط ّالفقر أو يدنو منه... باختصار، إنّه الانهيار" وتابع يقول: "صحيح أنّ المطاعم مزدحمة، لكن أرقام البنك الدوليّ لعام 2022 حاسمة وحتميّة : 75 في المئة من اللبنانيّين وغير اللبنانيّين يعيشون تحت خطّ الفقر، والبعض منهم لا يستطيعون طلب العناية الطبيّة بأسنانهم ويستخدمون اللاصق "ألتيكو"  لترميمها. لم أشهد أبدًا مثل هذا الأمر من قبل، لكنّني رأيتُ ذلك بأم عينيّ".

 

الإصلاح الحقيقي والدولة القوية الذكية

ذكّر دكاّش برسالة الجامعة في محيطها الاجتماعيّ وترسّخها في داخل الأرض والمجتمع وقال: "إذا قلنا إنّ دورنا يكمن في توطيد أسس الوطن، والعيش معًا، كقيمة تتّسم بها الجمهوريّة ولا تُقدَّر بثمن في بلد متعدّد الطوائف، هذا الأمر قمنا به وما زلنا نقوم به من أجل تغيير القلوب والعقول، على رغم الانتقادات التي واجهناها في بعض الأحيان". وذكّر بالإرشاد الرسولي من أجل لبنان الذي من خلال رسالته الروحيّة والاجتماعيّة السياسيّة، نجح في تعزيز هذا النسيج الوطنيّ وتقوية الروابط بين الجماعات على الرغم من الاختلافات السياسيّة، مطالبًا "بإصلاح حقيقيّ لبلدنا لبنان وليس أنصاف إجراءات أو مساومات هي تنازلات وليست حلولًا حقيقيّة، حتّى يتوقّف بلدنا عن كونه مساحة لتصفية حسابات النزاعات الخارجيّة على أراضينا". وأضاف "إن الدولة التي نريدها للمستقبل هي الدولة القويّة والذكيّة و"الشرط هو استعادة الدولة بأشكالها الرئيسيّة، دولة قانون تمتلك وحدها القوّة المسلّحة خارج أي ميليشيا أو حزب، وتقرّر السياسة الخارجيّة، وفي حالة لبنان، تحمي الحقوق والحريّات، وتحظّر على جماعة ما الضغط على جماعة أخرى؛ دولة تؤدّي خدمة عامّة توفّر للمواطنين احتياجاتهم وتؤسّس للعدالة الاجتماعيّة" وأن "هدف إقامة دولة المواطنين لا يمكن أن يتحقّق من دون تضحية ومن دون حريّة نقديّة. والجامعة هي المساحة التي يمكن أن تستمرّ فيه مثل هذه التنشئة على المواطنة والحريّة النقديّة" داعيًا إلى "تطوير ثقافة المواطنة".

وتابع يقول: "نحن نريد دولة ذكيّة للمواطنين تمنح كلّ فرد منهم حقّه وتحافظ على كرامته من خلال تقديم الخدمات التي يستحقّها! لذلك، لن ننام أو نصمت، وسنواصل تأجيج هذه الشعلة، شعلة تتّقد من أجل تنشئة مواطنين يتمتّعون بالكفاءة والحريّة، متّحدين على مستوى العقل والقلب، سواء كانوا هنا أو في بلدان الشتات اللبنانيّ، وهؤلاء مدعوّون أيضًا إلى عيش اللحظة اللبنانيّة كرسالة داخليّة تضامنيّة. سنستمرّ في تأجيج الشعلة حتّى تُنير لبنان ال 10452 كم 2، تحمله على عاتقها دولة المواطنين لأنّ الدولة، هذه الدولة، هي التي ستحمي جميع مواطنيها من دون تمييز. لدينا قضيّة ألا وهي حريّة بلدنا، ولسنا مستعدّين للانسحاب. لم يكن الفشل والتراجع والتغاضي جزءًا من قيمنا أبدًا، لأنّ سرّ النجاح يكمن في ثبات الهدف".

 

الرجاء قوة غير محدودة

وختم دكّاش خطابه بالقول: "لطالما كانت جامعتنا حافزًا للرجاء، ومن خلال الدخول في ديناميّة الاحتفال بالذكرى الـ 150 لتأسيسها، يمكننا الجمع بين الذاكرة والرجاء. من أجل الشروع في التغيير والنجاح فيه، نحتاج إلى الإيمان، والرجاء والرؤية. هكذا يتجذّر رجاؤنا في ذاكرة هؤلاء الآباء والإخوة، هؤلاء الأساتذة والمعلّمين، وهؤلاء الطلّاب وقدامى الطلّاب الذين عملوا بإيمان وبذلوا ذاتهم لتحمّل المآسي والدمار، قديمًا وحديثًا، حتّى حدوث كارثة انفجار مرفأ بيروت. كانت التنشئة التي قدّموها والتنشئة التي تلقّوها مركّزة دائمًا على اكتساب أفضل الكفايات والمهارات من أجل تغيير مجتمعنا المحلّي لا بل مجتمعاتنا في المنطقة. عندما يتجذّر الرجاء في استعادة ذكرى ما قد تمّ تحقيقه وإنجازه من أجل تحمّل المسؤوليّة وإعادة البناء، يصبح الرجاء قوّة غير محدودة".

ألبوم الصور