المزيد... أول جمعية غير حكومية لجامعة القدّيس يوسف في بيروت

الأربعاء 10 أيّار 2023
Organisateurs


أطلقت جامعة القدّيس يوسف في بيروت جمعيتها الأهلية الأولى، وقد ولدت بمبادرة طلاّبية وبهمة شبابيّة، وتوق إلى خدمة مجتمع الجامعة والمجتمع اللبناني ككلّ، وسعي إلى تقديم "المزيد".

"المزيد" تسمية حملتها الجمعية غير الحكومية المولودة إثر الأزمة الاقتصادية الحادّة التي أصابت لبنان وشعبه منذ العام 2019، فتحرّكت كلّ الكيانات الطلاّبيّة في الجامعة للتهدئة والمؤازرة والمساعدة، وللوقوف إلى جانب العائلات المحتاجة والأشخاص الذين لا عون لهم.

ليس ذلك بأمر جديد فجامعة القدّيس يوسف تحرص ومنذ تأسيسها على خدمة مجتمعها وترّبي طلاّبها على الالتزام المجتمعيّ وعلى المواطنة والمبادرة، وهي قيم أساسيّة تعيشها الجامعة إذ "ترى أنه من الواجب عليها أن تتعاون في الجهود المبذولة، من أجل تحسين الظروف المعيشيّة للفئات الأكثر حرمانًا".

وفي خلال حفل إطلاق الجمعية تحدّث الطلاّب الذين كانوا نواة لهذه المبادرة التي نمت وتطوّرت إلى أن أصبحت بعد ثلاث سنوات جمعية غير حكومية تهدف إلى استدامة العمل الاجتماعيّ الخيريّ، وتتوجّه بالدرجة الأولى إلى عائلة الجامعة ومحيطها وصولاً إلى المجتمع اللبناني ككل، والطلاّب هم: سامي قيس؛ روي ضاهر؛ فيرينا العميل؛ وعدنان الحداد.

 

الطلاّب هم أساس المزيد

تستند "المزيد" إلى مبادرة طلاّبية ولدت في العام 2019، حين بدأت الأزمة الاقتصادية تضيّق الخناق على اللبنانيين، ثم زادت مع وباء كوفيد الذي عطّل العديد من الأعمال، وأثّر في مداخيل العديد من العائلات والأشخاص، إذ استغنت المؤسّسات عن أعداد كبيرة من موظفيها وعمدت مؤسّسات أخرى إلى تخفيض الرواتب، ناهيك عن تأثّر أصحاب المهن الحرّة والمداخيل اليومية بالإفقال التامّ والحجر وتوقف دورة الحياة كما كانت معروفة.

"كانت مبادرة طلابية 100% شكلت حافزًا وشجعتنا للتفكير دائمًا بأشياء جديدة وبمبادرات جديدة" يقول الدكتور سامي قيس وكان طالبًا في كليّة الطبّ في سنته السادسة حين انطلقت المبادرة، ويكمل شارحًا: "لا يمكننا أن نغفل عن الدعم القويّ والمهم الذي لاقيناه من جامعتنا، وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. دعم حفّزنا لأخذ المبادرة والعمل، وإن لم نملك الموارد عند الانطلاق، إذ لم نملك سوى المبادرة والإرادة الطيبة، وتشجيع الجامعة. هذا الدعم برهن لنا أن بإمكاننا تحقيق التغيير، فنحن أعطينا من وقتنا، وغيرنا أعطى من ماله، وهناك من أعطى من مجهوده".

ويضيف قيس: "كانت المرة الأولى التي نشهد فيها تراجع الليرة اللبنانية وفقدانها لجزء من قيمتها (حينذاك كان الدولار يتراوح بين 2000 و2500 ليرة)، أخذنا المبادرة لأننا شعرنا بالفقر يدقّ الأبواب في محيطنا، وفي مجتمعنا، وبدأنا نرى أمورًا لم نشهدها من قبل... شعرنا أن التحرّك ضرورة في ظلّ هذه الظروف".

تلفقت الجامعة، من خلال مسؤوليها، هذه المبادرة الطلاّبيّة وشجعتها ودعمتها، تاركة إدارتها وتنظيمها للطلاّب أنفسهم، طالما أنها ولدت بإرادة عفوية منهم. "وفّرت لنا الجامعة مكاتب لعملنا، واهتمّت بتأمين مساحات لنقوم بعملنا اللوجستي إذ احتجنا إلى مكاتب لتنظيم عملنا والقيام بالاتصالات وإدارة هذه المبادرة من تعبئة صناديق المساعدات إلى تحضير السندويشات وإعداد الوجبات وغير ذلك" يقول روي ضاهر، ويشرح: "شكّل عملنا جزءًا من الرسالة الاجتماعية للجامعة، أي تشجيع العمل المدنيّ ومساعد مجتمع الجامعة. كما وفّرت لنا (الجامعة) من خلال مسؤوليها إصغاءً فعالاً لطلباتنا، وجعلتنا على اتّصال بالعديد من المانحين المهتمين بمهمتنا".

 

بدأت ترجمة المبادرة على الأرض بإعداد علبة تحتوي حصص غذائية متنوّعة "كنّا نشتري المواد الغذائية بكميات كبيرة، كأن نشتري طنًا من الحبوب العدس أو الحمص أو الطحين، والمعلبات والمعكرونة والزيت وغيرها، ونوزعها داخل أكياس صغيرة بهدف التوفير (إذ شراء العدس أو الرز بكميات قليلة من المحلات سيكلفنا أكثر)، ولنتمكن من مساعدة أكبر عدد ممكن من العائلات والأشخاص. حاولنا أن نحصر الكلفة لنتمكن من زيادة الحصص الغذائية للوصول لأكبر عدد من الأشخاص... فجأة وجدنا أنفسنا نتابع أسعار العدس والرز والسردين، في حين لم يسبق لنا أن عرفنا كيف نشتري هذه المواد" يقول قيس.

لكن لم تقتصر المبادرة على المواد الغذائية بل تطوّرت وتأقلمت مع حاجات الناس، فبعد الانفجار شملت تنظيف الركام والزجاج، والإصغاء للأشخاص المروعين من هول صدمة الانفجار، والمشاركة في تضميد الجراح الجسدية والنفسية، والمساعدة في إعادة الإعمار والتأهيل.

 

التطوّع من أجل المزيد من العطاء

التطوّع سمة بارزة في "المزيد" ويتألف فريق العمل اليوم من شخصين يعملان بدوام كامل، وشخصين بدوام جزئي، ومتدربين إثنين. وفريق العمل يتغيّر في كل عام لأن جميع أفراده من طلاّب الجامعة.

روحية العطاء والمجانية الطلاّبية شكّلت جاذبًا دفع مختلف فئات الجامعة إلى التحرّك، فبعد مبادرة النادي العلمانيّ وحملتي "كتفي بكتفك" و"الجار قبل الدار" توسّعت المبادرة مع ازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية وانتشار الوباء جاء انفجار مرفأ بيروت الذي قوّض العاصمة، لتتسع المبادرة خصوصًا أن غالبية أسرة الجامعة أرادت المساعدة وتقديم المُؤَازَرَة بأي شكل من الأشكال.

نمت المبادرة وتحوّلت إلى مبادرة دائمة وصار اسمها "جامعة القدّيس يوسف في مهمة" ثم وصلت إلى أن تكون رسميًا جمعية غير حكومية تتمتع بشخصية معنوية مستقلة ومسجلة لدى وزارة الداخلية والبلديات، وحائزة على العلم والخبر كأي جمعية أهلية أخرى.

حدّدت الجمعية رسالتها بالسعي إلى: تعزيز المشاركة المدنية بين أفراد المجتمع اللبناني؛ بناء مشاريع مجتمعية مستدامة بمشاركة فاعلة من الشباب؛ ومساعدة كبار السن الذين يرفضون الاستسلام في مواجهة الصعوبات اليومية والتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي. وتعمل المزيد على تحقيق هذه الأهداف عبر ثلاثة محاور أساسية: الاجتماعيّ؛ الثقافيّ؛ والبيئيّ.

وتعتمد الجمعية الشفافية المالية، فهي جمعية لا تبغي الربح وتعتمد ميزانيتها بالكامل على الجهات المانحة من خريجي جامعة القدّيس يوسف أو الشركات أو المنظمات غير الحكومية أو الأفراد أو المجموعات.

"منذ بداية المبادرة وحتى اليوم، نتلقى المساعدات من مصادر مختلفة: مانحون أفراد وكذلك أصدقاء، وأصدقاء جامعيون وخريجون وحتى جمعيات دولية. نحن منظمة غير حكومية قائمة على المشاريع، ونتلّقى الأموال بناءً على مشاريعنا ويتم تعيين فريق لتنفيذ كل مشروع" يقول روي ضاهر، الذي يرسم مسار هذه التبرعات منذ اللحظة الأولى فيقول: "في البداية جاءت التبرعات الكبرى من خلال الجامعة، إذ كانت الجمعيات تموّل جامعة القدّيس يوسف لأنشطتها الاجتماعية، ولعبنا دورًا مهمًا في تطوير هذه الأنشطة، لا سيّما من خلال الصناديق المحتوية على الحصص الغذائية، وأيضًا في مرحلة إعادة الإعمار. وشمل عملنا مساندة وتأهيل مجتمع جامعة القدّيس يوسف من الأشخاص المتأثرين بالوضع الاقتصادي وأيضًا بالانفجار".

وعن آثار هذه المشاريع المنفذة على الأرض يقول ضاهر: "بنينا مصداقية قوية من خلال عملنا خلال في العامين الماضيين، حصدنا الشجيع ما سمح لنا بإقامة علاقة ثقة مع المتبرعين للحملات اللاحقة. في نهاية كل عام، نرسل تقريرًا مفصلاً إلى الجهات المانحة لإعلامهم بمكان وكيفية ترجمة دعمهم في الميدان".

وعن الموارد البشرية ووجود فريق وظيفي للقيام بالعمل اللوجستي والإداري، لا ينكر ضاهر "أننا نواجه نقصًا في الموظفين مقارنة بالعمل المنتَج. ما زلنا فريقًا شابًا، ونركز على مشاريعنا وبناء سمعتنا حتى نتمكن شيئًا فشيئًا من بناء فريق أكبر بمرتبات حقيقية. لكن في الوقت الحالي، نعتمد على الأشخاص الذين يساعدوننا بدوام جزئي وعلى المتطوعين لمساعدتنا. نحاول قدر الإمكان تأمين مكافأة لهم في نهاية كلّ شهر أو كلّ مشروع".

وعن المجانية في العمل يقول: “نحن نعارض الأشخاص الذين يعملون بالمجان بشكل كلّيّ، وحتى المتطوعين، لأننا نعيش اليوم ظروفًا اقتصادية صعبة على الجميع، فتكاليف النقل مرتفعة للغاية، لذا نشجع الطلاّب على القدوم والتطوّع معنا من دون القلق على الأقل بشأن تكلفة النقل. اليوم لدينا مشاريع اجتماعية ومشاريع رعاية وكذلك مشاريع ثقافية وبيئية. يتم تمويل كل مشروع من قبل جهات مانحة مختلفة".

نجحت المزيد في تأطير مبادرة طلاّبية عفوية وفي مأسستها بعد أن احتضنتها الجامعة تاركة للطلاّب حرية التحرّك والتصرف مع الإشراف والمتابعة من بعيد، ويقول المرشد العام في جامعة القدّيس يوسف الأب جاد شبلي اليسوعيّ الذي ترأس "جامعة القدّيس يوسف في مهمة" USJ en mission ثم المزيد إذ قال: "لا يمكن إنكار تأثير التنشئة التي تقدّمها جامعة القدّيس يوسف لطلاّبها، ما يشجعهم على الاستجابة للاحتياجات والنداءات التي يسمعونها في المجتمع. إنّهم فاعلون وليسوا متفرجين: إنهم يعملون من أجل تغيير جذري في المجتمع. رافقناهم في تطلعهم هذا للتغيير في المجتمع وإقامة هذه الجمعية معهم، وقد تأسّست معهم وستستمر في العمل معهم ومن أجلهم" ختم شبلي.

 

لقد أحدثت "المزيد" تأثيرًا عميقًا في شخصية الطلاّب المبادرين، "علّمتني هذه الخبرة أن بإمكاننا إحداث تغيير إيجابيّ، وأن بإمكان الفكرة أن تصل وتكبر، وأن الإرادة الجيدة والخيّرة تحدث تغييرًا إيجابيًا" يقول سامي قيس، أما روي ضاهر فيقول: "قرّبتني هذه المبادرة من الواقع اللبناني ما ساعدني في تفكيري الشخصي. بعبارة أخرى أضافت معنى آخر في حياتي، وهوّية جديدة يمكنني من خلالها أن أنمو كإنسان وأحاول أن أفعل ما أعرفه بشكل أفضل... رأيت دموع الفرح ودموع الحزن والدمار وإعادة البناء، وسمعت كلمات من القلب، وسمعت أيضًا كلمات مقلقة ذكرتني أن العمل يحتاج إلى تقييم دائمًا بهدف تقديم الأفضل".

ويضيف "قرّبتني هذه الخبرة من الروحانية وأسلوب الحياة اللذين دفعاني إلى تجاوز ما كان متوقّعًا مني، وإلى التفاعل مع العالم بسخاء وتميّز (قدر الإمكان) وبتعاطف. لقد دفعتني إلى التوقّف للتفكير في العالم من حولي، وموقعي فيه، قبل اتّخاذ القرارات، وإلى التنبّه إلى أحكامي المسبقة في بعض الأحيان، وإلى تحمّل المسؤولية عن أفعالي. علمتني أيضًا الاهتمام والإحاطة بالكيان الإنسانيّ كاملاً، بينما يركز بعض الناس على الاحتياجات المادية فقط، أدركتُ أنه من المهم، بالقدر نفسه، التركيز على الاحتياجات الأخلاقية والعقلية. في بعض الأحيان، كل ما نريده هو أن يسألنا أحدهم عن أحوالنا".

هذه المبادرة التي تحولت إلى كيان دائم، علّمت هؤلاء الطلبة أن العطاء العفويّ مقدّر وأن "الطاقات البشرية الصادقة قادرة على إحداث تغيير ملموس في أصعب الظروف وفي أشدّها تعقيدًا، وهم دخلوا هذه التجربة مجرد طلاّب وخرجوا منها أشخاصًا ناضجين وفاعلين بشكل إيجابيّ في مجتمعهم" كما يقول رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ.

في الختام نورد ما قاله روي ضاهر في اختزاله لهذه الخبرة الحياتيّة التي قاربت السنوات الثلاث إذ قال: "تعلّمت أنه لا يمكننا تغيير العالم، ولكن يمكننا أن نبدأ بتغيير أنفسنا، وأن نكون مثالًا جيدًا، ونساعد الآخرين على الوقوف بمفردهم. وإيجاد طريقهم بأنفسهم. وهذا هو سبب تسمية الجمعية بـ"المزيد"، والّتي تدفعنا لتقديم المزيد من أنفسنا ومن أجل أنفسنا وللآخرين".

ألبوم الصور