ندوة علميّة حول نهج السيّد محمّد حسين فضل الله الحواريّ

سلسلة محاضرات حول
الثلاثاء 6 حزيران 2023

في إطار سلسلة "وجوه حواريّة"[1]، نظّم معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة في جامعة القدّيس يوسف في بيروت ندوة علميّة حول نهج السيّد محمد حسين فضل الله الحواري، وذلك نهار الثلاثاء الواقع فيه 6 حزيران 2023.

رحّبت مديرة المعهد البروفسورة رولا تلحوق بالحضور، وركّزت في كلمتها على أهميّة النهج الحواريّ الذي اتّسم به سماحة العلّامة على جميع الصُعد، إن كان في داخل الإسلام نفسه أم في الحوار ما بين المؤمنين من أديان وطوائف مختلفة. فالسيّد فضل الله إنسان حواريّ بامتياز في حياته ومهامه. وقد ارتكزت تلحوق على مقطع من مقالة للأب البروفسور سليم دكاش اليسوعي، رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت، متكلّمًا به عن نهج السيّد بالتالي: "إنّ الحوار يُعد بمثابة الملمَح الأبرز في مشروع السيّد فضل الله، وهو وضع في هذا المجال المبادئ الأساسيّة في كتابه "الحوار في القرآن: قواعده، أساليبه، معطياته". فالحوار مع الآخر المختلف، أي المناظرة وتبادل الكلام والمناقشة الهادئة، هو مثبتٌ في ذاتيّة الكلام المُنزَل من الله، وفيه يعني العقل الذي خلقه الله ووهب لكلّ إنسان. ومن يحترم عقله لا بدّ أن يحترم عقل الآخرين، وبالتالي يحاورهم ويناقشهم في القضايا الخلافيّة. وإذا كان الخطر على الحوار أن يكون تكاذبًا، فإن العقل المُنفتح على العقل الآخر والعقل الصريح لا يخافان من الحوار الواضح".[2]

بعد الترحيب، أستهل المحاضرون كلامهم كلٌّ عن منحىً من نواحي نهج السيّد، فبدأ الكلام الدكتور السيّد جعفر فضل الله عن المبادئ الإسلاميّة للحوار وموقعيّتها لدى السيّد محمد حسين فضل الله، وقد أشار بكلامه على قدرة السيّد بالتنظير حول التجاوز الذي يشبع الفكرة عمقًا. وفسّر فضل الله كيف أن السيّد كان يتخطّى نفسه بالتفكير ويعطي دائمًا ما هو مستند وجديد في الآن نفسه. كما وركّز على التأصيل لكلّ أفكاره من حيث المرجعيّة المعرفيّة القرآنية، بحيث أنّ القرآن الكريم هو كتاب حوار! كما وأظهر أنّ الحوار هو حاجة ذاتيّة لتكوين الإنسان في الإطار الاجتماعي وهو ايضًا رحلة مشتركة مع الآخر للبحث عن الحقيقة.

كذلك تكلّم الدكتور أحمد الزعبي عن السيد فضل الله، المفكر الحركي والمفكر الإسلامي كاشفًا من خلال مداخلته عن البعد الصوفي والروحاني في فكر السيّد فضل الله. وأكّد بأن السيّد لم يكن رماديًّا في الكلام عن الحوار وفي الحوار نفسه، بل إنّه حقيقيّ يتقن مبادئ اسلامه ولا يتّخذ موقف التقيّة في محاورة الآخرين. كما أثنى على البعد الوطني في تعاليم السيّد فضل الله وبُعد المشاركة مع كلّ المكوّنات الوطنيّة من أجل بناء الإنسان. وقد ظهرت في مداخلة الزعبي محوريّة الإنسان في فكر السيّد فضل الله.

بدوره تحدث البروفسور الخوري باسم الراعي عن العلاقة من الناحية الفلسفيّة التي هي أصل كلّ حوار، وعن القناعة التي توصل إلى حوار صادق ولا تمحي الهويّة الشخصيّة للمتحاورين. كما أكّد على أنّ الحقائق والأفكار السامية والمحقّة لا تُفرض وهي على أهميّتها لا تعلو على الإنسان. لذلك أهميّة الوضعيّة التي يجب أن نأتي بها إلى الحوار بحيث تكون الرحابة هي سيّدة الموقف والتي يجب ان تكون خالية من الاقناع الرساليّ أو المصلحيّ. أظهر الراعي من خلال كلامه أن السيّد استعمل الحوار كوسيلة للتكامل والتوازن في جوّ سليم يحدّده الفكر الملتزم قضايا الإنسان وانهى كلامه بعبارة مهمّة جدًا: "من انا حتى أفرض عليك أن تكون على صورتي؟".

وأخيرًا أنهى رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت، الأب البروفسور سليم دكّاش اليسوعي الندوة بالكلام عن البُعد التربوي في نهج السيّد فضل الله. أظهر في كلامه بأنّ فكر السيّد استقرائي واستدلالي، بحيث أنّه كان قريبًا من خبرات الناس والمجتمع. وقد أكّد بأن فكره اسلاميّ على مستوى الوجود الإسلاميّ، وفكر جامع يصبو إلى تكامل المجتمع الإنساني ككلّ. ولذلك كان السيّد فضل الله يعتقد بأنّ المجتمع هو المدرسة الكبرى وإنّ الذات ليست بعزلة ولكنها ذات بعلاقة مع الآخرين. وشدّد دكاش على التربية على القيم في فكر السيّد وبشكل خاص قيمة المصالحة والسلام واصلاح الذات والمجتمع والمواطنة كقيمة أساسيّة في قيام الدولة وعليها يجب أن يُبنى الحوار.

حضر الندوة ما يناهز ال 180 شخصًا من مختلف الانتماءات الدينيّة في لبنان، من اداريّين ومسؤولين في مؤسسّات السيّد فضل الله وكذلك من كوادر الجامعة وطلّابها وخريجيها وكلّ مهتم بالحوار الإسلاميّ المسيحيّ. وترأّس الحضور معالي وزير التربية والتعليم العالي ورئيس الفريق العربي للحوار القاضي عباس الحلبي، ورئيس اللجنة الأسقفيّة للحوار المسيحيّ الإسلاميّ المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان المطران شارل مراد.

في الختام، أعلنت البروفسورة تلحوق عن ندوات في طور التحضير للسنة المقبلة والتي سوف تتناول شخصيّات حوارية عدة مثال المطران جورج خضر، والأب يواكيم مبارك والمفتي حسن خالد وغيرهم.


[1]  هذه السلسة بدأت بمؤتمر دولي قام به المعهد سنة 2011 وتم نشر أعماله سنة 2013 في كتاب وجوه حوارية، إشكاليّة وروّاد كبار وتوقعات مقارنة

[2] سليم دكّاش، سماحة السيّد محّد حسين فضل الله: كيف يستطيع المسلمون والمسيحيّون التحاور حول القضايا الدينيّة والروحيّة؟، في وجوه حوارية، إشكاليّة وروّاد كبار وتوقعات مقارنة، سلسلة دراسات ووثائق إسلاميّة مسيحيّة، رقم 14، منشورات كليّة العلوم الدينيّة في جامععة القدّيس يوسف في بيروت، ص. 118، بيروت، 2013

ألبوم الصور