دكّاش في عيد شفيع الجامعة: لنوقظ مقاومتنا الفكريّة والثقافيّة

الثلاثاء 19 آذار 2024
السادسة مساء
Campus des sciences et technologies
Organisateurs


احتفلت جامعة القدّيس يوسف في بيروت، بعيد شفيعها القدّيس يوسف، فأحيت مساء يوم الثلاثاء 19 آذار 2024 قداسًا احتفل به رئيس الجامعة البروفسور سليم دكّاش اليسوعيّ مع عدد من الآباء اليسوعيين وفي مقدمتهم الأب مخايل زمّيط، الرئيس الإقليميّ للرهبنة اليسوعيّة في الشرق الأدنى والمغرب، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وأعضاء السلك الدبلوماسيّ، ووزير التربية عباس الحلبي، وأمين عام المدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر، ووزراء سابقين، ومديرين عامين، ونقباء، ورئيس المجلس الأعلى لجامعة القديس يوسف والسادة أعضائه، وأعضاء المجلس الإستراتيجيّ للجامعة، ونواب رئيس الجامعة والمديرين والعمداء، ورئيس اتّحاد رابطات قدامى طلّاب جامعة القدّيس يوسف ورؤساء الجمعيّات وأعضائها، ومدير مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" والشبكة الاستشفائيّة التابعة له، والمعلّمين والإداريّين والطلّاب، وذلك في كنيسة حرم العلوم والتكنولوجيا-مار روكز. ونُقل الاحتفال والخطاب بالبثّ المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ الرسميّة الخاصّة بالجامعة.

بعد القداس ألقى رئيس الجامعة خطابه السنويّ وحمل هذا العام عنوان: نحو الاحتفال بمرور 150 عامًا على تأسيس جامعة القدّيس يوسف (1875-2025): لنوقظ مقاومتنا الفكريّة والثقافيّة*!

استهلَّ رئيس الجامعة خطابه بالتوقّف على رمزية العيد، وشخصية شفيع الجامعة القدّيس يوسف معتبرًا إيّاه "ليس شفيعنا فحسب، بل هو قبل كلّ شيء ضميرنا، ضمير العمل من أجل وحدة العائلة، وحدة لبنان أيضًا وعدم اضمحلاله"، ثم أشار إلى المحاور الأساسيّة لخطابه هذه السنة وهي: 1- ما الذي يجب تذكّره من ماضي الجامعة من أجل الحاضر والمستقبل؛ 2) تقليد المقاومة الفكريّة والثقافيّة في جامعة القدّيس يوسف؛ 3) التهديدات الحقيقيّة التي تطال التعليم العالي ولبنان؛ و4) يقظتنا من أجل مواصلة الرسالة.

تحت عنوان الربط بين الماضي والمستقبل تحدّث دكّاش عن جذور الجامعة التي تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث بدأت فكرة تأسيسها في العام 1836 من خلال مراسلات بين رؤساء الرهبنة اليسوعية والرئيس العام للرهبنة في روما. وكان الأب ماكسيميليان ريلو، (يسوعيّ بولوني)، قد وضع الأساس للمشروع في بيروت عام 1838، بهدف تعليم العلوم المقدّسة والعلمانية، متبعًا توصيات المجمع التريدنتيني الذي أكّد على أهمية شمول التعليم. تأسّست الجامعة في العام 1875، بعد عدة عقود من التخطيط والجهود، وبدأت في بيروت التي نمت أهميتها التجارية والثقافية بعد أحداث 1860. هذه الجهود شملت جمع الأموال من الولايات المتحدة لضمان إنشاء المؤسّسة، وهي على مدار تاريخها، واجهت تحدّيات عدّة بما في ذلك الحروب والمجاعة، لكنها استمرّت في خدمة التعليم في لبنان والمنطقة.

ولعبت الجامعة دورًا محوريًا في تطوير التعليم بالتزامن مع الحفاظ على القيم الإنسانية والتنوّع، مؤكّدة على أهمية التعليم في تعزيز الهوّية والمعرفة. وبرغم المواجهات الثقافيّة والدينيّة، أثبتت الجامعة قدرتها على التكيّف والمقاومة، محتفظةً بدورها كركيزة أساسيّة في المجتمع اللبناني. تظلّ الجامعة اليوم، بعد أكثر من قرن ونصف، ملتزمة بتوفير تعليم متقدّم ومتكامل، يشمل اللّغات والثقافات المختلفة، مع تشجيع الفكر النقديّ والمواطنة الملتزمة. في ضوء هذا التاريخ العريق والإرث الثقافي، تؤكّد جامعة القدّيس يوسف على أهمية التميّز في التعليم العالي والبحث العلميّ، مواصلةً دورها في إثراء المعرفة والتنمية الاجتماعيّة في المنطقة.

وعن تقليد المقاومة الفكريّة اعتبر رئيس الجامعة أن المقاومة الفكرية والثقافية تبدأ من الذات، وتُعزَّز بالالتزام بقيم مؤسّسية راسخة لتشكيل أساس للدفاع عن الهوّية الثقافيّة والحقوق الإنسانية. تتطلّب هذه المقاومة الإصرار على التحليل العقلاني والدفاع عن القيم في المجال العامّ. وتشدّد جامعة القدّيس يوسف، بحسب رئيسها، على استخدام الموارد المتاحة لتعزيز الأمل والتضامن في مجتمعها، مؤكّدة أن التغيير الاجتماعي المبني على الأخلاق ممكّن. وتستمرّ الجامعة في رسالتها من خلال تقدير التميّز والابتكار، والرغبة في التأثير على المجتمع بشكل إيجابيّ. وأكد أن الأزمات تستدعي الرجوع للتفكير النقديّ والديمقراطية لمواجهة التهديدات للتعليم والثقافة. فجامعة القدّيس يوسف تلعب دورًا مهمًا في المقاومة الاجتماعيّة والسياسيّة، مواجهةً التحدّيات بشجاعة ومسؤولية، ومؤكّدة على أهمية التعليم في بناء مستقبل أفضل للبنان وحماية تقاليده الثقافيّة ونظام قيمه

وذكّر بما فعله أسلافه فقال: " سأُتَّهَم بالجهل إذا نسيتُ إبراز الدور الذي لعبته جامعة القدّيس يوسف في بيروت في النضال الاجتماعيّ والسياسيّ والمقاومة السلميّة في مواجهة احتلال القوّات السوريّة لبلدنا لأكثر من ثلاثين عامًا. سيكون من الظلم عدم تسليط الضوء على أعمال المرحوم سليم عبو اليسوعيّ التي كانت صدى لغبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي كان يدعو السوريّين إلى مغادرة البلاد. من الظلم عدم التأكيد على أنّ الحركة الطلابيّة المستقلّة في جامعة القدّيس يوسف، منذ العام 1998 حتّى العام 2005، كانت رأس حربة هذه المقاومة التي كان لها وزنها في اتّخاذ قرار عودة الجيش السوريّ إلى ثكناته".

وعن "التهديدات التي تتربّص بنا من الداخل ومن الخارج"، اعتبر دكّاش أن التحدّيات التي تواجه الجامعات والمجتمع في لبنان متعدّدة ومعقدة، وتتجلّى في خمسة تهديدات رئيسيّة هي الآتية:

تجزئة المعرفة: التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ أدّى إلى تخصّصات متفرقة ومتعمّقة، ما يجعل من الصعب توفير تعليم شامل ومتكامل. ويواجه الطلّاب الآن تحدّي اكتساب معرفة موسّعة في مجالات متعدّدة بسبب التخصّص الشديد.

تسليع المعرفة: تَحَوّل الجامعات إلى ما يشبه الشركات التي تركّز على الربح عبر منح الشهادات، ما يقوّض جودة التعليم ويهدّد القيم التربوية الأساسيّة.

الفراغ الأخلاقيّ والفكريّ: يعكس أزمة هوّية تتفاقم بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة في لبنان، ما يؤدي إلى ضعف الشعور الوطنيّ والمدنيّ.

الهجرة القسرية: البحث عن فرص أفضل يقود الشباب والعائلات إلى الهجرة، ما يؤدي إلى فقدان الكفاءات وتقليل القدرة على الابتكار والمشاركة في الإصلاحات، وقال إنّ "هجرة الأدمغة اللبنانيّة، تقلّل من إمكانيّات الإبداع والابتكار والمشاركة المباشرة في الإصلاح السياسيّ، والاقتصاديّ والاجتماعيّ في البلاد، ولكن قبل كلّ شيء، فإنّ هذه الهجرة لها تأثير سلبيّ للغاية على الجدل الفكريّ".

مصير الدولة: الضعف الواضح في هيكل الدولة اللبنانية وفقدان مصداقيتها يزيد من التحدّيات الطائفيّة ويقلّل من الشعور الوطنيّ، ما يتطلّب جهدًا متجدّدًا لاستعادة قوّة وفعالية الدولة.

وختم هذه الفقرة بالقول يجب على الجامعات والمجتمع اللبناني مواجهة هذه التحدّيات معًا، من خلال تعزيز القيم الثقافيّة والأخلاقيّة والتركيز على بناء مستقبل مستدام للبلاد.

وفي المحور الرابع من خطابه وعنوانه "يقظتنا من أجل مواصلة الرسالة" قال إنه في ضوء الاحتفال بالذكرى الـ150 لتأسيس جامعة القدّيس يوسف، تبرز الحاجة إلى مواصلة المقاومة واليقظة أمام التحدّيات المستمرّة. تتبع الجامعة إستراتيجية شاملة تغطي الجوانب الأكاديميّة؛ الثقافيّة؛ الاجتماعيّة؛ والمواطنيّة لتعزيز تميّزها. وتشمل الإجراءات تطوير البنية التنظيميّة لتعزيز الحوكمة، والسعي للحصول على اعتمادات دولية تؤكّد على جودة التعليم والبرامج الأكاديميّة، بالإضافة إلى ذلك، تركّز الجامعة على التطوير المهنيّ والتدريب المستمرّ، وتشجيع البحث العلميّ. وعلى المستوى الثقافيّ، تستثمر الجامعة في مبادرات تُعزّز الهويّة اللبنانية والتبادل الثقافيّ، بما في ذلك إنشاء كراسٍ جامعيّة جديدة تركّز على موضوعات مختلفة (كرسي أميركا اللاتينيّة؛ كرسيّ الأباتي يواكيم مبارك؛ كرسي الدراسات الفينيقيّة؛ كرسي بيار غنّاجه)؛ والاهتمام بالموسيقى من خلال جوقة جامعة القدّيس يوسف، كما تبني شراكات مع مؤسّسات ثقافيّة لإنشاء متاحف، وتعزيز التراث الفنيّ على غرار متحف ميم الشهير، ومتحف بيروت للفنّ الحديث والمعاصر، وحديقة ومبنى آل قرم الذي يضمّ بيت خرّيجي الجامعة. 

وفي الجانب الاجتماعيّ، تقدّم الجامعة دعمًا ماليًا كبيرًا للطلّاب وتعمل على مشاريع تسهم في الخدمة المجتمعيّة والتنمية المستدامة. كما تُظهر التزامها بالمسؤولية الاجتماعيّة من خلال التركيز على البيئة والصحّة العامّة. فـ"خدمة المجتمع ترتبط بمسؤوليّتنا الاجتماعيّة كجامعة؛ إنّ تقديم المِنَح الدراسيّة، وقد تجاوزت ميزانيّة المِنَح الدراسية في جامعتنا 17 مليون دولار أميركيّ هذا العام، لهو في الأساس عمل من أعمال التضامن الأخويّ بحيث تكون المعرفة في متناول كلّ إنسان وفي هذه الحالة، طلّابنا الشباب الذين هم علّة وجودنا؛ إنّ حصولهم على الشهادات هو واجبنا وحقّهم بقدر ما نستطيع" على حدّ قول دكّاش.

أخيرًا، على المستوى المواطنيّ والسياسيّ، تسعى الجامعة لتعزيز الوعي والمشاركة السياسيّة بين الطلاّب من خلال أكاديميّة التنشئة على المواطنة، وتشجّع على الالتزام بقيم المواطنة والمساواة. كلّ هذه الجهود تؤكّد على روح المقاومة الفكريّة والثقافيّة للجامعة في مواجهة التحدّيات الراهنة والمستقبليّة.

 

وفي الخاتمة أشار رئيس جامعة القدّيس يوسف إلى أنه في ظلّ تحدّيات بداية المئوية الثانية للبنان، تبرز جامعة القدّيس يوسف كمنارة للأمل والابتكار. على الرغم من الصعوبات الاقتصادية وبطء وتيرة الإصلاح، تستمرّ الجامعة في إثراء المجتمع بروحها الفكريّة والثقافيّة. كاشفًا عن افتتاح فرعها الجديد في أبيدجان مع أربعة برامج أكاديميّة ما يشهد على التزامها بنشر العلم والثقافة اللبنانية عالميًا، مستفيدة من شراكات إستراتيجيّة تعكس رؤية مشتركة. وأن الجامعة تستعد لإطلاق سنة يوبيليّة في 1 أيّار 2024، مؤكّدة على أهمية التفاؤل والإيمان بمستقبل أفضل. إذ تؤمن الجامعة بأن تنشئة جيل جديد مؤهل وملتزم بإعادة بناء النسيج الاجتماعيّ وتأهيل الدولة يُعدّ أساسًا للبقاء وفية لرسالتها ورؤيتها نحو مستقبل أفضل فهي "في كلّ مرة كانت تعيد بناء ما تمّ تدميره، لأنّها لم تفقد الأمل أبدًا".

ألبوم الصور